علي حسين قرأت البيان الذي أصدره مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي، فوجدت في الأسطر القليلة صورة للعراق الذي يحلم به بعض السياسيين.. عراق يتحول فيه الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بنارها معظم العراقيين، كم مثير للاشمئزاز إن الساسة الذين كانوا يطالبون بالحرية نراهم اليوم يمارسون الوحشية والاستبداد التي تمارسها الأنظمة الدكتاتورية.. فالبيان يؤكد بوضوح أننا لا نعيش في ظل رئيس وزراء مترفّع، ومتوازن، لا ينتمي إلاّ إلى الوطن، ولا يخاف إلا المساس به،
ما الذي تعنيه هذه الكلمات التي جاءت في خاتمة البيان " اليوم استجواب، وغداً سحب ثقة، وسحب ثقة متبادلة، وإدخال البلد كل يوم في أزمة.. أقول: كل هذه الممارسات ليست هي الحلول، لم يبقَ أمامنا إلا حل واحد" طبعا الحل الواحد يعني ان لا بديل عن المالكي الا المالكي نفسه على حد تعبير أعضاء ائتلاف دولة القانون.. ويعني للمواطنين كافة ان حلمهم بالديمقراطية والممارسة السلمية لانتقال السلطة الذي بدأ بعد عام 2003 قد أجهض والى غير رجعة، من حقنا جميعا أن يخرج علينا رئيس الوزراء ويجيب على تساؤل مهم: لماذا يرفض الذهاب إلى البرلمان؟ ومن حق الناس أن تعرف هل قرر المالكي البقاء في السلطة وانه يبحث الآن عن الوسائل التي تقوده إلى هدفه؟!. هذا السؤال الذي يتردد اليوم بقوة خصوصا بعد أن خرج علينا بيان رئاسة الوزراء ليقول بوضوح أن لا استجواب ولا إقالة وان رئيس الوزراء يرفض الاملاءات ويرفض ان يتدخل البرلمان في عمله، واذا علمنا ان البيان كان واضحا في لغة الوعيد والتهديد عندما جاء فيه: "إن القضية لا تتحمّل استمرار سلطة تشريعية مختطفة، وعلينا أن نذهب باتجاه آخر إما تجميد وانتخابات مبكرة وإما أن تستمر هذه الحالة التعويقية والتعطيلية، ولا أعتقد أنها ستخدم المواطن والبلد".هل يجعلنا بيان رئيس الوزراء نشعر بالخوف بالتأكيد لأن، صورة البلاد ذات المؤسسات الفاعلة لم يعد لها وجود أصلا، بعد ان قرر السيد المالكي أن يجعل من البرلمان مجرد صورة لديمقراطية زائفة، اليوم الكل يتحدث عن القضاء ودولة القانون ولكنهم يخططون في الخفاء لإعلان دولة القائد الأوحد، بل يذهب البعض منهم إلى إقرار تعليمات وقوانين تساند وتدعو إلى منطق الدولة التي مرجعيتها كل شيء إلا الايمان بالديمقراطية الحقة.علمتنا تجارب التاريخ أن الأمم الحقة تبنى على أكتاف الزاهدين، لا على أصحاب الصوت العالي والشرهين للسلطة والمال. البيان وبلغة التهديد والوعيد التي حملها يجعلنا نعترف أن ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء يتمتعان بحس بوليسي لا بأس به في كثير من الأحيان، صحيح أن المشاهد البوليسية هذه تتحول إلى كارثة في أوقات كثيرة لكنها في النهاية مسلية حتى ولو كانت سوداء. قبل أيام اخبرنا قادة في ائتلاف دولة القانون إن السيد المالكي سيذهب إلى البرلمان وان جلسة الاستجواب يجب ان تكون مباشرة لان هناك ملفات خطيرة يجب أن يعرفها الشعب.. بل وأصر البعض على أن يتم استجواب النجيفي ايضا في الجلسة نفسها.. وكانت الناس تنتظر مصارحة سياسية غابت طويلا عن المشهد السياسي في العراق.. فلماذا غير المالكي رأيه فجأة.. سؤال يصعب الإجابة عنه خصوصا أن الوقائع تؤكد السيد المالكي لا يؤمن كثيرا بدور البرلمان. للأسف يبدو أن السيد المالكي أدمن في السنوات الأخيرة لعبة طريفة ومسلية ولا تجعله تخسر كثيرا، جوهر اللعبة هو أن تتقدم أطراف بائتلاف دولة القانون بفكرة تكون في غالب الأحيان غريبة، يعقب ذلك جدل لا يتعدى حدود والتعليقات التليفزيونية واللقاءات الصحفية، فإذا نجح الأمر حقق رئيس الوزراء ما يريد أما إذا فوجئ بأن الوضع خرج عن نطاق السيطرة وفاق توقعاته فإنه يلجأ في هذه الحالة إلى لغة الوعيد والتهديد كي يتخلص من كل شيء وكأن شيئا لم يكن، أما إذا قاوم احد أو احتج وأصر على حقوقه، هنا يصدر بيان من مكتب رئيس الوزراء ليقول للجميع أن أصحاب الاستجواب "عليهم قضايا تتعلق بالإرهاب، وتتعلق بالتزوير"، والمطلوب أن يتنظف البرلمان منهم حتى يدخل إليه المالكي وهو يحمل ملفا واحدا مكتوب عليه عبارة لا تقبل القسمة على اثنين "جئت لأبقى".
العمود الثامن :المالكي يسقي شجرة البقاء
نشر في: 18 يوليو, 2012: 06:58 م