هاشم العقابي لي صاحب مصاب بداء حب الأدوية. وبسبب هذا الحب غير طبيبه العائلي مرات عديدة. فالطبيب الذي لا يكثر من وصف الأدوية، لا يستحق حتى لقب طبيب، حسب معايير صاحبي. عشقه دفعه الى أن يصادق كثيرا من الصيادلة العراقيين والهنود والإيرانيين في لندن. كان أكرمهم عنده الصيدلي الإيراني لأنه يجود عليه بالأدوية ان ضن الطبيب بها.
زمن ليس بالقصير لم اتصل به بحكم انشغالي وانشغالاته، فقررت البارحة ان أهاتفه.عرفت من نبرة صوته ان وضعه الصحي ليس على ما يرام. وبعد السلام سألته عن سر صوته المنهك. رد علي: اسكت وخليها والله چان رحت بيها. خير؟ يا أخي تناولت دواء تفاعل مع ما كنت أتناوله من أدوية فأصابني هبوط بالضغط، ورجفة في ركبتي، وجفاف في فمي، وانا الآن منهك لا أقوى على الحركة. ومتى حدث ذلك؟ والله صارلي عشرة أيام بالفراش. وكيف وصف الطبيب لك الدواء وهو يعرف انك تتناول دواء لا يتلاءم معه؟ راح اسولفلك:ان الصيدلي الإيراني أعطاني حبوبا لتخلصني من الكوابيس الكثيرة التي صارت تراودني في منامي. تناولت منها حبتين فأغمي علي. وبعد ان أفقت اتصلت بالإسعاف فأخذتني للمستشفى. وعندما أخبرت طبيب المستشفى عن الحبوب التي تناولتها، صاح: يا الهي كيف تمزج حبوب الـ "زانتاك" مع ما تتناوله من أدوية؟ ومن وصفه لك؟ هل هو طبيبك؟ بصراحة خفت على الصيدلاني الإيراني فقلت له أعطاني إياها صديق خليجي. سألته: لماذا لم تستشر الطبيب قبل ان تتناولها؟ رد: بصراحة: اعرف ان الطبيب سيرفض، لكني اتصلت بالسيد "فلان" فاخذ لي خيرة وقال: "كلش زينة"!بعد ان أنهيت المكالمة عادت بي الذكريات لحادثة لها علاقة بالخيرة ايضا. ففي العام 1997 قصدت عمّان للقاء أمي وأختي بعد فراق طويل. كنت ومثلي كثير من العراقيين المنفيين نلتقي أهلنا هناك. كان بيننا عراقي جاء من استراليا ليلتقي، هو الآخر، بأمه وأخيه. وفي اليوم الذي يفترض أن يأتيان فيه، خرج لاستقبالهما. وبعد ساعات عاد لوحده ووجهه ينبئ بالتعاسة. خير أبو فلان؟ يا أخي ماكو لا أمي ولا اخوي .. اكيد طابقوا أسماءهم ويه اسمي ولزموهم "بطريبيل". هرع الرجل صوب موظفة الاستعلامات في الفندق الذي نسكن فيه متوسلا بها ان تحصل له على خط. وبعد نحو اربع ساعات جاءه الفرج. كان على الطرف الآخر من الهاتف أخوه. ارتفع صوت صاحبنا فعرفت انه دخل في شجار، وفجأة اغلق الهاتف. ها استاذ بشر؟ شبشر؟ الأفندي اخوي يكول والله انا كنت متحضر اجيك اليوم وكلشي جاهز، بس اتصلت بالسيد ياخذلي خيرة على سفري، رغم اني لم اقل له ما في قلبي، فاخبرني اترك هذا الأمر فانه مكروه جدا.تناول سيجارة وتنفسها بعمق ثم واصل الحديث: ونعم بالله ان تستخيره لكن الخيرة لا تصح في أمر فرضه الرب مثل صلة الرحم. انه أعطانا عقلا نفكر به. فان صعب الامر على العقل عندها لنستخير الله. ثم سألني: بربك يصير الواحد ياخذ خيرة هل يصلي الظهر لو ما يصلي، مثلا؟ أليست صلة الرحم، خاصة "شوفة" الوالدة، واجبا كما الصلاة؟ والله شكـلك اخاف احچي وابتلي!
سلاما ياعراق :حكايات عن الخيرة
نشر في: 18 يوليو, 2012: 07:02 م