سامي عبد الحميد للمخرج المسرحي إحدى عشرة مهمة ينبغي إتمامها بإتقان وعن خبرة ودراية، فهو أولاً لا بد أن يأخذ دور الناقد الذي يعرف كيف يقوم العمل الفني شكلاً ومضموناً ويقدر مدى صلاحية هذا النص المسرحي أو ذاك للمعالجة الإخراجية ومدى تأثير عرضه على خشبة المسرح في جمهور المتلقين، وان يكون مضمون ذلك النص الذي وقع عليه اختياره يمس حاجة المتلقين ويعبر عن مطامحهم في زمن معين وان يحمل نقداً لكل ما هو سلبي في الواقع الذي يعيشه الجمهور.
وهو ثانياً لا بد من أن يكون قادراً على تحليل ذلك النص واكتشاف خفاياه ومعانيه ودلالاته وبلاغته وإحالاته، وان يكون قادراً على تحصيل الشخصيات الدرامية التي يحتويها النص، وتعرف أبعادها وأهدافها وعلاقاتها وبالتالي أفعالها الرئيسة والثانوية لكي تأتي توجيهاته إلى الممثلين صائبة وفعالة، وهنا لا بد لي أن اذكر بأن العديد من المخرجين المبتدئين هذه الأيام لا يبذلون جهداً واضحاً في تحليل النصوص التي يزمعون إخراجها ويكتفون بتوضيح الخطوط العامة للعمل وبالطبع هذا لا يكفي لكي يكون النتاج ناجحاً ومؤثراً إذ لا بد للمخرج من أن يحلل التفاصيل وبدقة متناهية.وهو ثالثا لا بد أن يكون قادراً على تفسير النص وفق رؤية واضحة ومعالجة سليمة بواسطة الأدوات المتوفرة لديه من ممثلين إلى مناظر إلى أزياء والى ملحقات والى إضاءة ومؤثرات ونعني بالتفسير هنا أن يكون لكل قول ولكل حركة ولكل مادة تحدث في العرض المسرحي دلالة تصل إلى أذهان المتفرجين وتكون مصحوبة بمشاعر تمس شغاف قلوبهم، وتتعلق رؤية المخرج بالرسالة التي يريد إيصالها الى الجمهور وبالوسائل الواضحة والمناسبة من غير تبذير وثرثرة مشوشة ومربكة، وهنا نؤكد فرضية السيميولوجيين في ان العرض المسرحي شبكة علامات ولكل علامة وهي (دال) معنى أو (دلالة) يستوعبها المتفرج مباشرة أو بعد تأمل.وهو رابعاً، يجب أن يكون متمكنا من حرفيات العمل المسرحي وتقنياته وان يكون ملماً بالعناصر الأساسية الخمس للإخراج المسرحي والتي اقترحها (الكساندر دين) وهي: التكوين والتصوير - التفسير والإيقاع والحركة والتعبير الصادق، وهنا نذكر أن لتوفير الإيقاع المناسب لكل مشهد من مشاهد المسرحية وللمسرحية ككل تأثيرا كبيرا في شد الجمهور إلى العرض المسرحي وتحقيق التأثير المطلوب، وكثيراً ما تفشل العروض المسرحية عندما يفلت الإيقاع من زمام المخرج او من زمام الممثلين.وهو خامساً، يجب أن يلم الماماً عاماً بالتاريخ وبحضارة الشعب لكي يتمكن من إعطاء الأجواء المناسبة للمسرحية التي تتعرض لأحداث تاريخية وشخوص تاريخية وبالتالي لكي يكون دقيقاً في تحقيق مستلزمات المنظر والزي، بحيث تكون متطابقة مع ما كان موجوداً في زمان ومكان أحداث المسرحية وليس في زمان ومكان كتابة النص، وهنا لابد لي أن أشير الى مسألة الدقة التاريخية في العرض المسرحي والتي لم تعد في الوقت الحاضر ملزمة لعدد كبير من المخرجين إذ يستطيع أن يستغني عنها وان يجرد عرضه من التفاصيل التي تقتضيها الدقة التاريخية إذ يعتبر أولئك المخرجون أن المهم في العمل المسرحي هو الممثل حضورا وأداءً، وان المتفرج لم يعد يهتم بتفاصيل الديكور والأزياء بل بتعبير الممثل ولا غير.وهو سادساً، أن يكون قادراً على التمثيل عارفاً بتقنيات هذا الفن وعارفاً بكيفية تشخيص الشخصية وكيفية تحويل ذاته إلى ذات الشخصية لكي تأتي توجيهاته الى الممثل في الخط الصحيح والواضح والخالي من الإرباك والعشوائية، صحيح أن هناك عدداً من المخرجين لم يعملوا ممثلين قبل أن يتحولوا إلى الإخراج ولكن من الصحيح أن نذكر ايضاً بأن اغلب المخرجين الناجحين كانوا ممثلين ناجحين.وهو سابعاً، أن يستطيع تدريب الممثلين على التقنيات اللازمة للأداء الصوتي والجسماني لكي يلجأ إليها في المراحل الأولى من التمارين على المسرحية، قدرة المخرج على توفير الدرجة المطلوبة من الممثل ضرورية لتزويد الممثل بالخبرة والمرونة والأداء المناسب للدور الذي يمثله.وهو ثامناً، أن يكون مصمماً اي أن يعرف متطلبات تصميم المناظر والأزياء والإضاءة وتقنياتها لكي يستطيع بعد ذلك أن يحكم على صحة ودقة التصاميم التي يقدمها المصممون إليه، وبهذا المجال يجب أن يتوفر لدى المخرج حسٌ تشكيلي بلاستيكي وان يعرف عناصر التشكيل والتكوين ودلالات خطوطها وسطوحها وكتلها وألوانها والفراغات المحيطة بالمواد الموجودة على خشبة المسرح وكذلك ملامس تلك المواد.وهو تاسعاً، أن يضع نفسه موضع المتفرج الذي يشاهد العرض المسرحي لكي يتحقق عامل المسافة الجمالية، وبه يستطيع المتفرج أن يتأثر بالصور المسرحية ويتحسس جمالياتها وكثيراً ما يفشل مخرج ما في إنتاجه لكونه لم يقف على مسافة من عرضه المسرحي ليرى عيوبه وسلبياته وضعف تأثيره في الجمهور.وهو عاشراً وحادي عشر، أن يكون مديراً ومنظماً للعمل المسرحي فالإدارة الناجحة تؤدي الى الإنتاج الناجح وتنظيم عمل العناصر المشاركة في العمل المسرحي وسحب نتائجه إلى رؤاه وصهرها في بوتقة واحدة هو عامل من أعمال نجاح المسرحية ومقدار تأثيرها في نفوس وعقول المتفرجين.والمخرج الذي لم يتقن كل تلك المهمات سوف لا يستطيع أن يحقق لعمله النجاح المطلوب حيث ستحدث الثغرات والهنات في هذه المهمة او تلك مما يؤثر في النتائج تأثيرات سلبية واضحة.
لماذا يفشل المخرج في إنتاج مسرحية مؤثرة؟!
نشر في: 18 يوليو, 2012: 07:11 م