ترجمة: نجاح الجبيلي إن آندريه تشيني الذي يبلغ سنّه السبعين في العام القادم يصنع أفلاماً في غاية الأناقة عن حيوات مضطربة. فكل الناس في أفلامه بطريقة أو أخرى هم جوالون وعابرون وجوديون ينجرفون من علاقة إلى أخرى ومن هوية إلى أخرى غير قادرين إلى حد ما على الاستقرار في ذواتهم وتلك هي الطريقة التي يفضل بها السيد تشيني أن يكونوا. إن أفلاماً مثل "القصب البري" – 1994 و "لصوص" – 1996 و "الفتاة على متن القطار" – 2009 وآخر أفلامه "لا يمكن غفرانه"
– وهو فيلمه التاسع عشر الطويل مليء بالشخصيات التي تبدو وكأنها لم يجر خلقها بل ببساطة جرى العثور عليها والتقاطها وهي ضالة على الطريق. فقام بمنحها مكاناً للراحة بينما هم يحاولون أن يفهموا من هم وأين ذاهبون: البيت يزداد بغير انتظام لكنه مجهز بشكل جميل والمضيف كريم وبارع ومتسامح. عند هذه النقطة ينهمك تشيني في الأرواح الضائعة لمدة أربعين سنة وهو يعرف ما يفعل. إن الضيوف المدعوين في فيلم "لا يغتفر" هم فرانسس وهو كاتب فرنسي كبير السن (يؤدي الدور أندريه دوسولييه) وزوجته الجديدة جوديث (كارول بونكويت) وهي موديل سابقة وأنا ماريا (أدريانا أستي) وهي عميلة سرية ابنها جيرمي (مورو كونته) قد أطلق تواً من السجن. وأليس (ميلاني تيري) ابنة فرانسس الطائشة التي تهجر زوجها وابنتها لتهرب مع ألفس (أندريه بيرغولسي) وهو ارستقراطي وسيم مدمن على الهروين. تدور الأحداث في أشد مدن العالم سحراً فينسيا، إذ يبدو سطح الفيلم ناعما مثل القنوات الهادئة. تجري المشاهد واحداً بعد الآخر بشكل هادئ مهما تكن الأفعال الحمقاء التي تصدر عن الناس. إن السيد تشيني دائماً يعنى بأحاسيس مشاهديه وتصبح أفعال الشخصيات الغريبة تدريجياً أقل غرابة وكأن الجمال نفسه يغفر لكل شيء. أسلوب السيد تشيني محفوف بالمخاطر – فهو يخاطر بكل بما هو نفيس وبالتماسك السردي مع كل فيلم- ويتطلب الأمر فترة وجيزة كي يجيدها. إنه من جيل صناع الفيلم الفرنسيين الذين أتبعوا الموجة الجديدة. في منتصف الستينات وحين كان فرانسوا تريفو وجان لوك غودار وكلود شابرول وأريك رومر وجاك ريفيت في قمة عطائهم كمخرجين، كان السيد تشيني يفعل ما فعلوه في حياتهم السابقة: كتابة النقد السينمائي في مجلة "دفاتر السينما" (كاييه دو سينما). وبعد طقس العبور هذا صنع أول فيلم له بعنوان " بولين تغادر" – 1969 ولم يحرك الفيلم ساكناً ولم يعرض أبداً في الولايات المتحدة. وانتظر ست سنوات قبل أن يحاول أن يصنع فيلماً طويلاً آخر: ذلك الفيلم الذي يدور في أطار السلاسل العائلية من أجيال مختلفة افتتح هنا تحت اسم "قروي فرنسي" – 1975 وكان أكثر نجاحاً من الناحية التجارية والفنية لكنه لم يصنع فيلماً يشبهه مرة أخرى. فيلماه الآخران كان أحداهما فيلم مزخرف كئيب المزاج بعنوان "باروكو"- 1976 والآخر سيرة ذاتية بعنوان "الأخوات برونتي"- 1979.إن أسلوبه الناضج يتحدر ببطء نحو الرؤية في فيلم "فندق الأمريكان" – 1981 وكان هذا أول تعاون له مع كاترين دينوف الذي استمر في ستة أفلام أخرى. إنها قصة حب غريبة تدور في "بياريزت" حول علاقة بين امرأة متحفظة غامضة متخصصة في التخدير تؤديها السيدة دينوف ورجل متهور عصابي يؤدي الدور "باتريك ديوير". وكل شيء يتعلق بعلاقتهما المتذبذبة يبدو متردداً ومؤقتاً ولا شيء يجري حله في نهاية المطاف لكن الفيلم له حرية في الخيال هي جديدة بالنسبة للسيد تشيني وهي الرغبة في مفاجئة نفسه. واستمر بصنع الأفلام بتلك الروح: واستمرت المفاجآت بالمجيء. وهو الآن يصفي الطريقة الاستكشافية في فيلم "فندق الأمريكان" إلى الحد الذي يكون فيه قادراً على تجديد حتى أكثر الأشكال السينمائية تقليدية. إن فيملي "مشهد من جريمة" – 1986 و"لصوص" هما فيلما إثارة – هناك جرائم في الأقل في كلاهما – لكن تشويقهما لا علاقة له بالأسئلة التقليدية بمن فعل؛ إنهما يتناولان كيف أن الجريمة تؤثر بالعلاقات بين الناس. إن دراما عائلية مثل "فصلي المفضل" – 1993 الذي تؤدي فيه السيدة دينوف والسيد دانيل أوتول أخاً وأختاً تحتضر أمهما يصبح تأملاً في قابلية الذاكرة على خلخلة الحاضر وتشويش كل شيء يبدو ثابتا وراسخاً. يرغب السيد تشيني في أن يحتفظ بالأشياء سلسة وقلقة وهذا ربما هو السبب في أن أفلامه متعاطفة جداً مع اضطرابات فترة الشباب الأليمة. كل أفلامه تصور المراهقين المضطربين وهم يحاولون العثور على الطريقة التي يثبتوا فيها أنفسهم ، وجوههم جدية تغيم عليها الشكوك. جريمي في فيلم "لا يغتفر" لديه تلك السيماء. كذلك جين ( إملي ديكون) بطلة فيلم "الفتاة على متن القطار" التي تنزلق بحذاء التزحلق حول باريس بحثاً عن عمل بطريقة عابرة وتقع في علاقة بنفس الطريقة تقريباً وأخيراً وبلا سبب ظاهر تحكي كذبة كبيرة عامة فقط حتى تعلن أنها موجودة. لا يتجرأ السيد تشيني على تبريرها أو حتى توضيحها لكن الفيلم يترك القليل من الشك من أنه يقف إلى جانبها. أفضل أفلامه "القصب البري"
المخرج الفرنسي آندريه تشيني: ..تذوّق الطبيعة الإنسانية بتدفق عشوائي
نشر في: 18 يوليو, 2012: 07:44 م