TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > السطور الأخيرة:ديوان المظالم

السطور الأخيرة:ديوان المظالم

نشر في: 18 يوليو, 2012: 08:34 م

 سلام خياط من يتسنى له متابعة منظر الجموع الغفيرة المتراصة، المتدافعة بالمناكب والأقدام، المتهالكة للوصول لبوابة القصر الجمهوري بالقاهرة،يصاب بالدوار ويتسربل بالشفقة.. جموع تبدو على سحناتهم علامات الرهق والقتر وذل الحاجة، يرفعون أوراقا تتضمن مطالبهم وشكاواهم، لإيصالها لمن بيده الأمر والنهي، ليحل لهم بعض مشاكلهم و يمنيهم  بالفرج بعد الشدة...
 ممارسة ملفتة للنظر  لاسيما لأهل مصر،  فلم يعهدوا – من قبل - بمن يمنحهم هذا الحق، وييسر لهم الوصول لبوابة القصر الجمهوري، بعدما كان الشارع برمته محظورا على السابلة والمشاة.تطفل صحفي مصري، وتمعن في بعض الطلبات المرفوعة، فماذا وجد؟ هذه عينات عشوائية مختصرة:*أسكن دارا بالإيجار، يهددني المالك بطردي فيما لو لم امتثل لطلب الزيادة، أنا العائل الوحيد لعائلة كثيرة العدد، فهل يمكن لعدالتكم  أن تشملني بالحصول على دار من دور البلدية؟*أغلق جاري الثري مجرى الماء الذي يسقي بستاني، فمات الزرع وجف الضرع، وتكررت حالات الشجار بيننا، وصار يهددني بانتقام لو تجرأت ثانية وطالبته بفتح المجرى، كيف أتمكن من ردعه؟ أنا في خوف دائم من تهديداته، هل أطمع بمساعدتكم لإيقافه  عند حده؟؟  * القبول المركزي يشترط معدل 97 درجة لدخول كلية الطب، وقد حصلت على معدل 96فهل يمكن النظر بعين الرحمة لطلبي واستثنائي من شرط المعدل، ولكم الأجر والثواب.* طلقني زوجي لنزاعه مع والدي، وحرمني رؤية أولادي وأصغرهم عمره سنة واحدة، فهل أطمع بأمر منكم  لحضانة  طفلي ؟هذي الطلبات الفردية ومثيلاتها هي مدار مضمون معظم الرسائل المحمولة لديوان المظالم، والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه: هل يمكن حل مشكلة الملايين   المبتلين بالفقر والمرض والجهل، الساكنين بين المقابر، والشاربين الماء من الترع الملوثة، بحل مشاكل أفراد معدودين؟ لا ينكر منصف، إنسانية المبادرة الرئاسية بفتح بوابات ديوان المظالم، لكن اللجوء لهذا الأسلوب قد يبدو ملائما وصالحا في زمن الخلفاء الراشدين وما تلاه من عهود قريبة  له، لكن ديوان المظالم في زمن الفضائيات والهواتف النقالة والإنترنيت يبدو علامة شوهاء  حقا، قد يحل الديوان مشكلة المئات، او الآلاف، لكنه بالتأكيد  لا يحل مشكلة الملايين. لا تحل مشاكل الشعب إلا بمنظومة متكاملة من القوانين الرادعة والصارمة بحق من يخرق الأنظمة، لا تحل مشاكل الشعب إلا بإرساء دعائم العدالة الاجتماعية، باستقلالية  ونزاهة القضاء وعفة وتنزه القضاة، بتوفير فرص العمل، بتكافؤ الفرص، بالحرص على استئصال الفساد، و...و...و المسؤول(ين) القدوة.هل تراني – وأنا أتحدث عن مصر – قد تحدثت عن العراق وعن الهوة الوسيعة التي تزداد اتساعا بين قلة ترفل بالثراء والرفاهية وتتشعبط بأذيال القانون، وكثرة تغرق في الضنك وسوارات الفساد، وتسمع نغمات العزف على القانون دون ان تراه؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram