سرمد الطائيكتبت قبل يومين عن حكومة تريد ان تحكم بالمؤبد على اي عراقي يستخدم حاسوبه بهدف كتابة اشياء "تسيء لسمعة البلاد"، وتساءلت عن الحكومة التي اساءت لسمعة بلادنا كثيرا، والجهة التي يفترض بها ان تصدر حكما بالمؤبد على الطاقم الحكومي المتسبب في كل هذا الخراب والسمعة السوداء.
وبينما لا نزال نناقش "شهوة السلطان" الذي يستكثر علينا التمتع بحرية الانترنت والعالم الافتراضي بعد ان احتجزنا في امبراطورية سيطراته وحظر تجواله ومفخخات خصومه ومداهمات عساكره، تقرأ لنائب رئيس الجمهورية عن التحالف الوطني انه يؤكد حرية الصحافة لكنه يؤكد ايضا ضرورة تقنين وسائل الاعلام.شهوة السادة الذين يحكموننا لا تنتهي ازاء فكرة السيطرة والتقنين والهيمنة، وهم يتحدثون بوصفهم نخبة متعالية تحكم قطيعا من الأوباش وعديمي الضمير وهذا القطيع يريد الاساءة لسمعة البلاد عبر وسائل الاعلام، متناسين ان الطواقم الحكومية من مختلف الكتل انفقوا نحو ستمئة مليار دولار بطريقة لم تبق لنا من سمعة البلاد شيئا كي نقوم بتخريبها.والمصيبة الاخرى ان الكثير من السادة المقربين من رئيس الحكومة والذين ينوون بشكل جاد هذه الايام، ان يدشنوا مشروعا "لتقنين الاعلام" مارسوا الكتابة والصحافة سنوات طويلة والتجؤوا الى دول مجاورة كي يحق لهم ان يعترضوا بحرية على سياسات صدام حسين، وها نحن نكتشف ان الكثير منهم كان معجبا بصدام ويريد ان يتحدث على طريقته حين كان يقول ان افكار الحزب والثورة تستند الى مبدأ الحرية (والاشتراكية والوحدة طبعا) لكن ذلك لا يعني اتاحة الفرصة "للمندسين والخونة والرجعيين والعملاء" كي يسيئوا الى سمعة "العراق العظيم".اشعر بأسف كبير حين اكتشف ان عبارات العهدين ومصطلحاته، بدأت تتشابه وتتقارب، وينتابني حزن حقيقي حين ارى معارضي صدام الذين كنا نعمل معهم سوية في كثير من المناسبات، يستهدفون "تقنينا"، وهذا تعبير يثير الاستغراب لانه غير واضح كفاية.فهل يريد الطاقم الحكومي بمصطلح التقنين، "وضع الاشياء في قناني" مثلا؟ ام تحديدها في قنوات كقنواتهم الاعلامية التي ظلت تبث افكار الكراهية والحزبية والتشدد، وتدير الازمات بأسوأ ما يمكن؟هناك حراك حكومي لا تخطئه العين يستهدف تقييد حرية التعبير. يحدثني الأصدقاء عن ضغوط هائلة تتعرض لها مؤسساتهم تبدأ بالمال ولا تنتهي بضوابط عجيبة غريبة تريد الحكومة ان تلتزم بها وسائل الاعلام. مسودات القوانين التي يقدمها رئيس الحكومة تؤكد ان المسار يتجه نحو "التقنين".والحكومة لا تكتفي بوسائل الاعلام بل تريد "تقنين" ما نكتبه حتى على فيسبوك. وما نخشاه ان الامر لن ينتهي عند انترنت او تويتر، فغدا سيخرج علينا متحدث باسم مصلحة الامة كي يقول ان افلام هوليوود التي تباع في الاسواق تضر بتربية ابنائنا. وان كتب اليسار واليمين تضر بتربية عوائلنا. وسنكون امام قائمة ممنوعات لا حد لها ولا حصر، كتلك القوائم التي عرفناها حين نقرأ تواريخ الاستبداد في العالم، من امريكا اللاتينية والاتحاد السوفيتي الى الشرق الاوسط.هناك شهوة خطيرة لدى السلطان الذي يعتقد انه رفيع متعال يحكم اوباشا يريدون الاساءة الى سمعة البلاد. السلطان يعتقد ان الحق في جبته هو، ولسنا نحمل في "جببنا" سوى عقارب وأفاع تهدف الى تدمير البلاد. وباسم هذا الحق سيشتهي السلطان قطع ألسنة الجميع، وإبقاء الأيدي كي تصفق لمنجزات لا يراها احد.ستسمعون من السلطان اشياء كثيرة في الفترة المقبلة، وكلما شعر بزهو أمام تراجع خصومه السياسيين، سيشعر بأن عليه ان يتفرغ للجم جمهور المعترضين.لكن شهوة السلطان توقيتها سيء، وهاهو السيد بشار الأسد آخر المستبدين العرب يتداعى أمام مرأى مؤيديه وخصومه، وكل شهوة ينبغي ان تتبدد امام مشهد انهيار النظام السوري، لكن ما نخشاه ان مساحة العقل لم تعد كافية لدى طاقمنا الحكومي كي يأخذوا درسا صحيحا من التاريخ. ولذلك فإن لحظة انهيار الأسد لم تمنع مسؤولهم الرفيع في الرئاسة من الحديث عن حرية التعبير بطريقة تشبه حزب البعث. انه لأمر مؤسف حقا.
عالم آخر: إعلام مقنن وحرية بمقاسات "البعث"
نشر في: 18 يوليو, 2012: 08:56 م