TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: حكومات العقائد

أحاديث شفوية: حكومات العقائد

نشر في: 18 يوليو, 2012: 09:16 م

 احمد المهناأسوأ أنواع الشذوذ في مذاهب السياسة هو ذلك الذي يجمع بين "قوة الدولة وضعف الشعب". ففي هذا النموذج يعاني الشعب ضروبا من الفقر في المعيشة، وألوانا من الاضطهاد في حريات التعبير والتفكير. وعلى العكس من ذلك تعيش حكومته مترفة، وتتمتع بقوة عسكرية ونفوذ أو تأثير سياسي محلي واقليمي واحيانا دولي.
المثل الأكبر على هذا المذهب السياسي هو الاتحاد السوفياتي السابق. وقد جعل منه ذلك المذهب أغرب وأغبى امبراطورية في التاريخ. ذلك أن كل الامبراطوريات كانت تتوسع في العالم، لتجني ثروات من الأطراف، تعزز بها رفاهية المركز. والدول التي ورثت الامبراطوريات تفعل نفس الشيء، اذ تقوم سياساتها في الخارج على تحقيق مصالح للداخل. هذه هي القاعدة الطبيعية في سياسة الدول.ولكن الاتحاد السوفياتي عمل عكسها. فثرواته الداخلية كانت تبدد في خدمة دول وحركات سياسية أجنبية. وقد افقرت تلك السياسة شعوب الاتحاد السوفياتي على كل الصعد، غذائيا وتعليميا وسكنيا وصحيا وعلميا وثقافيا وسياسيا. وبالجملة كان المواطن السوفياتي فقيرا في المعيشة عبدا في السياسة. لكن الحكومة كانت تحيا مترفة، وتتمتع بقوة عسكرية هائلة رفعتها الى مصاف القوة السياسية العظمى الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة.وكان ذلك وضعا شاذا واستثنائيا تسبب في نهاية "العملاق الجائع". انفرط "الاتحاد"، وولدت منه دول جديدة، وعادت روسيا الى قواعدها وهي مريضة، تشكو الى اليوم علل الماضي العويص. لكن "النموذج" نفسه لم ينته، نموذج الشعب "المكرود" والحكومة المستذئبة. فقد اعتمدته كل "حكومات العقائد"، من كوبا الأخوين كاسترو الى عراق صدام، ومن آل سونغ في كوريا الشمالية الى ليبيا القذافي وسوريا "الأسدية". ثم وصولا الى النسخة الأكبر لهذا النموذج في عالم اليوم:ايران.شأن كل التجارب المماثلة يتقلى شعب ايران تحت ظروف الفقر التي تزداد وتكبر تحت ضغط العقوبات الدولية، ويحرم من فرص الحريات المدنية والسياسية، ويتحول الى اكبر مصدِّر للاجئين في العالم. ولكن الحكومة راضية، سعيدة، مؤمنة بأن شرعيتها مستمدة من السماء، وتصرف، تصرف بلا حساب ولا كتاب، على طيف واسع من الأحزاب والحركات السياسية، من حزب الله في لبنان الى "حماس" فلسطين والحوثيين باليمن. كما ان جزءا غير قليل من هذا "المال النزيه" يصول ويجول في العراق، حتى كاد أن يشتري، علاوة على السياسة، وسائل اعلام "الديمقراطية الفتية" كافة. وهذا بالاضافة الى ما خفي من حركات وتنظيمات في بلدان أخرى.ولاشك في أن هذا المال يبني نفوذا في المنطقة لايران، وتأثيرا على السياسة العالمية بالجملة. ولكن السؤال البسيط هو: ما مصلحة شعب ايران بكل ذلك النفوذ والتأثير؟ بل ما مصلحة الحكومة فيه لو كانت عاقلة وطبيعية مثل حكومات الناس؟ ان كل تفعله هذه السياسة هي إذلال شعب عظيم، وتوسيع نطاق العداوة الدولية الشاملة لحكومته، وتعزيز الاضطرابات ومظاهر الخروج على القانون في العالم الاسلامي.ان تكاليف حكومات العقائد باهظة ومأساوية على الدوام. ومصائرها معروفة ومحسومة، لأن المستقبل مع حكومات الناس على الدوام. أي الحكومات الموظفة عند الناس من أجل سعادة وكرامة الناس. والانسان بطبعه مخلوق كريم. ولكن هناك أشياء شاذة كثيرة لا لزوم لها تحدث في التاريخ، وأسوأها حكومات العقائد، لأنها متخصصة بصناعة التعاسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram