TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:مصر ليست ايران

أحاديث شفوية:مصر ليست ايران

نشر في: 19 يوليو, 2012: 05:48 م

 احمد المهنا من بين الدول القديمة في المنطقة، وهي مصر وايران وتركيا، تفردت ايران وحدها بقيام نظام حكم ديني. فشبح الدولة الدينية اختفى من افق بلاد الأناضول. أما في مصر فان الشبح ظل يطوف في أجوائها لثمانية عقود، بين مد وجزر، ولكنه لا يمكن أن يأخذ شكل نظام حكم في يوم من الأيام.
أهم موانع "الدولة الدينية" في مصر يتمثل بقوة المجتمع المدني. فهناك سوق أو قطاع خاص أغنى من الحكومة. خلال الأربعين عاما التالية لرحيل عبد الناصر، استعاد القطاع الخاص مكانته بالتدريج الى أن أصبح القوة الاقتصادية الأكبر في البلد. وبعض أهم فعاليات هذه السوق، وهي السياحة التي يعيش عليها نحو 14 مليون نسمة، لم يعرف بتعاطفه مع التيارات الدينية، وانما بمخاوفه منها.الجانب الآخر الذي يتشكل منه المجتمع المدني، وهو النقابات والمنظمات غير الحكومية، يمثل  بدوره قوة لا تستطيع أي سلطة، أو حزب بعينه، ابتلاعه. صحيح ان هناك نفوذا كبيرا للتيار الديني فيه، ولكن نفوذ القوى العلمانية ليس محدودا ولا ضعيفا فيه. بل ان الغلبة في بعض هيئاته المهمة معقودة للعلمانيين، مثل منظمات او نقابات الصحفيين والفنانين. فالهيمنة هي للعلمانية في الفن والإعلام كمؤسسات انتاج وكنقابات.ان حكومات البلدان ذات الاقتصاد الريعي يمكنها تشكيل، واعادة تشكيل، المجتمع على هواها. ذلك ان الثروة في يديها. وقد تستطيع رشوة المجتمع. فالعراق، مثلا، ظل يميل الى حد كبير باتجاه حكوماته، مرة مع اليمين، وثانية الى اليسار، وأخرى باتجاه القومية، واليوم نحو الطائفية. فالحكومة هي المالكة الحصرية للثروة.أما في مصر فان الضريبة من الجهاز الاداري ومن السوق أحد أهم موارد الحكومة. أي ان الشعب ينفق على الحكومة. ولذلك لن يستطيع الرئيس الاخواني رشوة الشعب بمال الحكومة، لأنها فقيرة اصلا.الى جانب عامل المجتمع المدني، وعوامل أخرى مثل علمانية الأقباط، هناك قوة وازنة في مصر لقوة التيار الديني، وهي المؤسسة العسكرية. والسلطة فعليا ودستوريا، حتى اليوم، ماتزال في يدها. وهي لن ترفع يديها عنها كليا حتى بعد الانتهاء من صياغة قوة ثالثة تمنع قيام حكومة دينية منعا باتا، وهي الدستور نفسه.ولقد أظهرت انتخابات الرئاسة أن القوة العددية ليست في صف الاسلاميين، وان كانت القوة السياسية الأكبر من نصيبهم. فقد تقاسم مرسي وشفيق تقريبا جمهور المقترعين، وساوى حجم جمهور الرجلين حجم الجمهور الممتنع عن التصويت. وهذه الأغلبية من الممتنعين عن التصويت ليست اسلامية بالقطع. كما أن جمهور الرئيس الاخواني كان أقل في الواقع من جمهور المرشح العسكري، اذا ما اخذنا في الاعتبار تصويت فئات علمانية مؤيدة لثورة 25 يناير لمرسي باعتبار ان الاخوان كانوا جزءا من الثورة.ولربما أصبح اخوان مصر بعد تولي الرئاسة في أضعف حالاتهم. فأمامهم اختبارات عسيرة ومهام جسيمة. ويقينا فان فوزهم برئاسة مصر يمثل تعزيزا لأهم مكتسبات "الربيع العربي"، وهو عودة الحياة السياسية بعد جمود طويل. وكان هذا المكتسب عرضة للشك في حال فوز مرشح العسكر. ولسوف تتعزز الحياة السياسية على نحو لا يقبل العودة الى الجمود، اذا هدى الله العسكر الى الابتعاد عن الانقلابات، وترسخ تقليد الاقتراع العام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram