TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم اخر:بغال القرن 21 وقصص النجاح العراقية

عالم اخر:بغال القرن 21 وقصص النجاح العراقية

نشر في: 19 يوليو, 2012: 06:57 م

 سرمد الطائي لقد تم إدخال أول محطة لتشغيل الموبايل في العراق عام 98 عبر التهريب على ظهور البغال من تركيا الى السليمانية. انها قصة شيقة تتحدث عن اللقاء الاول بين العراق المحاصر وطلائع القرن 21، اي عصر المعلوماتية. وحين يسردها خبير شاب تحسده على سعة اطلاعه، فإنها تكون شيقة اكثر.
ديار احمد خبير في المجال الطبي، لكنه وجد الوقت الكافي للحصول على خبرات معقدة ليس في مجال الاتصالات والمعلوماتية وحسب، بل اصبح احد الخبراء المهمين في سوق الاتصالات في الشرق الاوسط، وهو اليوم المدير التنفيذي لشركة اسيا سيل للاتصالات النقالة.كنت بين الحين والاخر اتصل به كي ادردش معه ليس حول اسيا سيل ومشاكلها مع الحكومات الفدرالية والاقليمية، بل احاول ان افهم منه موضوعات شائكة لا تتطرق اليها الصحافة كثيرا من قبيل: لماذا ظل الانترنت بطيئا؟ لماذا لا تصبح لدينا بنية تحتية مثل الاردن او حتى قطاع غزة؟ وقد انجزنا معه مواد صحفية جيدة في هذا المجال عبر عدة سنوات، توغلنا خلالها في ألغاز الكابل الضوئي ونقل الميغابايتات وضرائب الحكومة غير المبررة وسواها. لكن ديار في كل تلك الحالات لم يكن يقبل بأن يظهر اسمه. كنت اقول "نقلا عن خبير عراقي بارز في مجال الاتصالات" وكثيرا ما اتصلت بي محطات تلفزيونية تبحث عن هذا "الخبير" لاستضافته، فأخبره ويظل مصرا على "طمس" هويته، بسبب حساسية موقعه الوظيفي وانشغالاته.وحين تواجدنا في السليمانية خلال ورشة تدريب تتعلق بالإعداد لتلفزيون المدى، وجدنا انفسنا ضيوفا عنده في احدى حدائق المدينة الغناء. واكثر ما يجعل المرء فرحا هو التخلص من حديث السياسة والاطلاع على اخر تطورات الاستثمار في مجال المعلوماتية في المنطقة والعراق. وديار نموذج لرجل الأعمال الشاب المليء بالمعرفة، والذي يعطيك "عشر مانشيتات" في الدقيقة لأنه يعرف بالغريزة، عن ماذا تبحث أسئلتك.الحديث عن المستقبل كان حاضرا بألم، وهو يشعر ان شركته والخبراء العراقيين من كل القوميات الذين يعملون معه، قادرون على التقدم بسرعة. لكن اشياء كثيرة تعرقل المسار. الا انه يردد: تعودنا على العمل في اصعب الظروف. ويسرد على نحو مثير كيف غامرت اسيا سيل عام 98 بخرق 4 حصارات. حصار يفرضه المجتمع الدولي على خلفية ازمة الكويت، وحصار تفرضه تركيا وآخر من ايران، وحصار اخير نسجته اجواء الحرب التي نشبت يومذاك بين الكرد انفسهم. لكن مغامرا من طراز فاروق ملا مصطفى كما يقول ديار، كان يتلذذ بإنشاء اول شركة موبايل في العراق حتى لو اضطر الى تهريبها على ظهور البغال عبر الجبال الفاصلة بين تركيا والعراق.مثل رجل الأعمال هذا يمنحك عشر قصص صحفية صالحة للنشر، وحين تطلع عليها تتألم لأن الصحافة انشغلت بالسيدة عالية نصيف والسيد حسن السنيد، ولم تأبه بالحكايات المفيدة والمعلومات التي تهم خصوصا شريحة الشباب العراقيين الذين يمثلون واحدا من اكبر اسواق المعلوماتية في المنطقة.متى نبني علاقة صحيحة بين الصحافة وطبقة رجال الاعمال في بلادنا، كي تنشأ بالتالي علاقة صحيحة بين المستهلك والمنتج؟ هذا احد امراض الميديا العراقية ولا شك. فالصحفيون لدينا يستسهلون اجراء اتصال هاتفي بنائب عن العراقية واخر عن دولة القانون لافتعال "عركة سياسية" وبثها للجمهور. اما التوغل في عالم البزنس وحركة رؤوس الاموال واولويات المستثمرين، واستخراج قصص تهم اكثر من شريحة، فإن هذا يحتاج الى جهد ومزاج لا تمتلكه صحافة هي في الغالب محبطة ومحاصرة بألف حرب وحرب.إنني أقارن هنا بين منجزات القطاع الاهلي ومنجزات الحكومة. القطاع الأهلي مستعد لاستخدام البغال في نقل محطة هاتف لكسر الحصار الدولي، اما القطاع الحكومي فينفق المليارات بمعونة اقوى دول العالم الحليفة، ولا يخرج لنا الا بشارع رديء ورصيف طيني اللون ومحطة كهرباء تتوقف عن العمل بعد شهر من تشغيلها. لماذا لا تمنحون كل شيء للقطاع الخاص، وتخلصونا؟ لماذا لا نقوم بخصخصة قطاع الأمن نفسه يا ترى؟ والى متى سنتعايش مع فشل الحكومة المزمن؟اسرد حكاية ديار وادرك انها حكاية جيل كامل اختبر اصعب الاوقات واستطاع ان يحقق منجزات لافتة. واذ تفرح ان لدى ديار "وطنا" يوفر له الحد الادنى من الحماية، فإنك تتألم لألف ديار لم نقم بحمايتهم فهاجروا وخسرناهم وبقينا نشهد نقصا حادا في الكفاءات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram