هاشم العقابيلم يحدث أن تركت شيئا اعتدت عليه، ولم أشعر بالأسى، مثلما تركت السيجارة هذه المرة. اليوم مر أسبوعان، بالتمام والكمال، على آخر نفس دخان نفثته من صدري هاتفا: لقد تحررت. وان كنت قد طلقت "الجكارة" أكثر من مرة، لكنه في الأغلب كان طلاقا مؤقتا. أما اليوم فهو طلاق خلعي لا رجعة فيه.
انتهت معها، ولن أرتبط بها بعد اليوم حتى ولو للمتعة كما كنت أفعل سابقا. وإن قالوا اذكروا حسنات موتاكم، لكني بصراحة القول لم أجد للمرحومة حسنة أعتز بها. مع كل هذا وحتى لا أكون "بد ذات"، كما يقولون، قررت أن أقول فيها شيئا. بدأت علاقتي بالتدخين عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي. كنت في وقتها أعيش في قرية الرحمانية التي يسميها أهلها "الرَحَمَه". وهي من القرى التابعة إلى ناحية جصّان في محافظة الكوت، حيث اصطحبنا والدي إلى هناك عندما تعين فيها معلما. ومن العادات الغريبة في تلك القرية أن الأطفال من عمر السادسة يجب أن يدخنوا عندما يحل العيد. وعلى الأهل أن يوفروا لأولادهم الصغار علبة سجائر ليدخنوها طوال أيام الأعياد. كان والدي يدخن سجاير "لوكس" فكانت حصتي منها علبة "صر مهر" كاملة. وعندما يرحل العيد نظل نحن، رغم صغرنا، نحنُّ للتدخين فتجد احدنا، بين حين وآخر، يسرق "جكارة" من أبيه. لا يظلم في عملية السطو هذه إلا من كان أبوه يدخن "لف"، فنضطر إن نسرق له من آبائنا الذين يدخنون السجاير المعلبة. هكذا كانت البداية التي دامت حوالي نصف قرن.وفي هذه المناسبة "السعيدة جدا" أجد بي شوقا لتذكير القراء الكرام ببعض ما جاء في شعرنا الشعبي عن السجاير والتدخين. ففي الدارمي نجد هذه العاشقة تحسد حبيبها لأنه يدخن وهي لا:تشرب تتن وتفوخ انته اشوه منيوآنه اجر بالحسرات والهم كتلنيبالمناسبة كان الجواهري يحب هذا البيت ويعتبره من أجمل ما قبل في الدارمي، حسب رأيه.وهذه أخرى تنصح أمها نصيحة مخلصة لتكف عن مراقبتها:يا يمّه تنبا كـيـــن بطلي النطارهخليني ويّه اهواي شربة جكـارهوهناك قصيدة جميلة تعد من بين روائع الشاعر كاظم إسماعيل الكاطع لم يبق منها بذاكرتي وللأسف غير بيت يقول:خلص باكيت الجكـاير عالدرب كـمت اشرب بروحيليس في الشعر فقط، بل بالغناء أيضا، هناك من لم ينس "الجكارة". والعجيب أني حظيت بأغنية يشبه بها صاحبها نفسه انه هو "الجكارة" التي يدخنها الآخرون وليس العكس، فيقول:روحي جكـارة انطفت كضت عمرها بخوففروها حلكـ الحلكـ شمروها وي الكـطوفيا لها من صورة مقززة تجعل هذه الأغنية أفضل دعاية للتشجيع على قطع التدخين. سمعتها مرتين فتخيلت حال المطرب كما رسمها بنفسه. شكرته من أعماق قلبي لأنه جعلني أضيف لقراري الصارم قرارا آخر، وهو: أني قد حلفت بالعباس أبو فاضل أن لا أعود للتدخين بعد اليوم.
سلاما ياعراق : وأخيراً .. تحرّرت من التدخين
نشر في: 19 يوليو, 2012: 07:07 م