محمود النمرحين تتلمس العاشقة اللغة تتحد معها بشكل لا يوصف ، المرأة واللغة كلاهما صفة للأخرى، فهما متقاربتان جدا من تعاطي المشاعر والحلم وحساستان إلى حد الذوبان، أو التلاشي في امتلاك اللحظة التي تومض للحلم أن يستحضر ما هو غير ممكن في اليقظة، لذلك هما قريبتان من بعضيهما، وتلك الصفة تمكنت منها الشاعرة "عزة الزين" في ديوانها الموسوم "خواطر مصرّفة بين النّحن والأنا".
في القصيدة الأولى من المجموعة "لانوم" أملأ كأسك َ المريرة / التي بكت ليلة البارحة / وصلِّ للمدينة المطفأةِ / التي طافت بكاءً / في زمن ٍ بائس . الانكسارات واضحة في ثيمة القصيدة التي تبعثرها الشاعرة من خلال نثر تلك الأوجاع على الصفحة البيضاء، فالقارئ للقصيدة يجد الكثير من الكلمات المعبأة بالحزن/ اثمك التعب/ ألوانك َ قاتمة/ الهمّ يُنهك البدن. وفي آخر السطور يجد القارئ الأوجاع المبعثرة/ وأسماؤك َ تنتهي ملوتنً مبعثرة/ . ص9يراودني حلم أو كابوس/ فيه ذخيرة بنادق/ ترتمي على شط/ يتلون البحر اخضر/ يحدثني صياد/ عن ويلات وذئاب/ تحت تطاير شظايا/ سيشتد الأخضر/ في ذكرى الحرب.هذه القصيدة تحمل عنوان "يا" جاءت في الصفحة 25 من الديوان وهي عبارة عن كابوس سردي يحكم نسيجه حول جسد الشاعرة "عزة الزين" التي تروي من خلال تداعيات القصيدة، الكابوس ، والبنادق، والذئاب، والشظايا ، والحرب ، وتكوّن من هذه العناصر سيمفونية الحرب، وتتوالد منها "يا" وهي حرف مناداة ناقصة وكأن الشاعرة عجزت من هول صدمة الحرب أن تكمل كلمتها إلى المنادى ،ولكنها ترمز هذه الياء إلى جميع تلك العناصر الرامزة للحرب ثم إلى للموت.ثم تكمل صرختها المحبوسة في فمها وتروي لنا الصور الأخيرة / يبقيني الصياد قائلا : يفسد البكاء المنام / إن انتظرت قليلا / ربما غربلت البحر من الأسماك/ وتوضأت المياه من صفارها/ فصار الأخضر أزرق / والذئاب أمواتا .ص25الشاعرة أبقت أدواتها بيديها وهي تعلن أن الحرب وقعت وأحدثت تلك الأشياء والنهايات المكشوفة. البكاء في المنام. غربلت البحر. وضوء المياه . تحول الألوان. وموت الذئاب. صور على حائط الفجيعة رسمتها لنا الشاعرة "عزة الزين". خواطر مصرفة بين النّحن والأنا / البارحة / مر حاضري وأمسي/ على خطين متوازيين.../ لم أكن نقطة التقائهما/ تتفتح يداي حاضنة ماضيا/ أقبض فتاتاً هوائياً/ أ "أنا" أنا حين تحضنني؟/ أم حين أراقص في امسٍ/ قريب / أحبائي البعيدين؟.هذه القصيدة هي حاضرة وخاصرة الديوان، تتنفس الشاعرة ذكريات حميمة على نفسها ، وتتراجع ماسكة خيال الماضي، وجسد الحاضر ،تغرق بالحلم ،وتراقص ذلك الحلم الذي يُظهر لها الأحباء البعيدين من خلال "فلاش باك" الذاكرة التي تطعم جوع الحنين للشاعرة.قصائد المجموعة جاءت نثرية فيها لغة جديدة وانزياحات عابرة للمألوف غير متعددة بل متوالدة لأن التعددية قد تكون متكررة ، ولكنها تتوالد بالصور الواحدة تلد الصورة الأخرى/ حمرت فمها / كحلت العينين / جلست في انتظار / ثم تمددت للمل / صورة خلف صورة حمّرت، كحلت ، جلست ، تمددت ، لوحة اثر لوحة كأنها تشير الى احداهنَّ في ضمير الشاعرة ثم تعود تروي بضمير المتكلم / اجلس في انتظار ذكرى / أعض على شفتي / يمحو الملل الحمرة / ويتلاشى جسدي / هنا إشارة واضحة وجلية للانكسار في لوعة الجسد المتوثب بالشبق لتصريف اللذة .الشاعرة تمتلك حسا أنثويا مرهفا غزيرا بالمعاني والخيالات التي جسدتها، من خلال اللغة المحكية في القصيدة ، وأيضا من خلال تلك اللوحات التي أخذت من القصائد كينوناتها التخطيطية الموحية بدرجة التجلي الخجل لامرأة معبأة بالعشق والمعنى وقوة رسم اللحظة في التخطيط واللغة ، لذلك هي شاعرة مشتبكة باللون وغارقة بالكلمة .الديوان من إصدارات (المدى) من الحجم المتوسط بـ95 صفحة.
اشتراطات غير معلنة في قبضتها
نشر في: 19 يوليو, 2012: 07:12 م