لندن/ عدنان حسين أحمداحتفت مؤسسة الحوار الإنساني في لندن بالروائية سلوى جرّاح لمناسبة صدور روايتها الرابعة "بلا شطآن" عن دار "المدى" بدمشق. وقد ساهم في تقديم الروائية الأستاذ غانم جواد، رئيس المؤسسة، وأشادَ بخدماتها الجليلة حينما عملت في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، لمدة "22" عاماً حيث قدّمت عصارة جهدها، وخلاصة أفكارها القيّمة لمستمعيها في مختلف أرجاء العالم خاصة وأنها تمتلك صوتاً شجياً ناعماً يأسر قلوب المستمعين. ثم قدّم الأستاذ غانم جواد الشاعر عوّاد ناصر الذي ساهم هو الآخر بتقديم قراءة نقدية مختصرة ومركّزة جداً، كما ساهم في إدارة الندوة التي لم يشترك فيها سوى الناقد السينمائي فيصل عبد الله لأنه الشخص الوحيد، على ما يبدو، الذي قرأ الرواية بين الحاضرين.
ذكر عوّاد ناصر بأنه شاعر وقارئ، وليس قاصاً أو ناقداً كما ورد في تقديم الأستاذ جواد، لكنه يتدخل بالمنجز الثقافي قدر تعلق الأمر بقراءته، وتذوقه، وحساسيته الخاصة إزاء القراءة والكتابة. ولهذا السبب فقد وصف مداخلته بأنها "ملاحظات نقدية لا غير"، وحقيقة الأمر أنها دراسة نقدية مكثفة حتى وإن جاءت ضمن سياق مقتضب جداً، لكنها لامست الثيمة المركزية للنص وأضاءت بعض جوانبه.استهل الشاعر عوّاد ناصر حديثه بالقول: "ترسم الكاتبة سلوى الجرّاح روايتها وفق مثلث، ساقاه القائمتان الوطن والمُغترّب، لترتكزا على قاعدته الحنين". ثم أضاف: "أن الذاكرة الروائية لدى الجراح لا تسير على خط مستقيم، وهذه إحدى فضائلها، فثمة لعبة ذكية تُشرك قارئها فيها تعتمد تدوير الزمن الروائي عندما تستعيد الروائية الحدث/ المشهد/ السرد زمنياً لتكتبه مجدداً مع الإبقاء على منطلقه الأول". يعتقد عوّاد، وهذا الاعتقاد في محله، (أن الجرّاح أرادت أن تقدّم رواية "خاصة" للعراق والعراقيين، وهم يكابدون حزنهم الأبدي الذي فاض مثل دجلة: بلا شطآن كما جاء في الإهداء الذي تصدّر الرواية والذي يقول: "إلى بغداد وكل أهلي وأصدقائي في العراق"). ثم توقف عند الشخصيات النسائية الثلاث جُمانة وبلقيس وخلود، واستنتج في خاتمة المطاف "أن الجرّاح تكتب وهي في أشد حالات الشغف، كاتبة ترّد الجميل لوطن وهي التي فقدت وطنين، وطن الآباء "فلسطين" لتقيم في العراق الذي تفقده هو الآخر، فالغياب هو لحمة السرد وسداه". خلُص عوّاد في ختام مداخلته إلى القول بأن الروائية سلوى قد وزّعت بعض جوانبها الشخصية على بطلات النص (فشيء منها "موجود" في شخصية جُمانة، لكنها ليست هي، وفيها من بلقيس حزنها وانتظارها، ومن خلود تطلّعها وإصرارها على التعلّم وتحدي المكان الغريب "لندن". وقد تولّت دور "الحارس الأمين" لكل شخصياتها في دروب الوطن والمغترب ليبلغ الجميع نقطة الصفر). وقد اختصر عوّاد بحذق هذه النقطة حينما وصفها بأنها "غربة في الوطن، ووطن في الغربة، وكلاهما ليس سوى ذاكرة عراقية".أكدت الروائية سلوى جرّاح بأن إنجاز هذه الرواية قد استغرقها سنتين بالتمام والكمال، واعترفت بأنها كانت خائفة، لكنها لم توضِّح سبب هذا الخوف! ثمة حادثة مهمة توقفت عندها جرّاح مفادها أن جمانة تنحدر، كما الكاتبة نفسها، من أصل فلسطيني، وحينما ذهبت إلى المدرسة قيل لها بأنها "نِزِل ويدبّج على السطح" فحصلت مشكلة بينها وبين الطالبة التي قالت هذا الكلام الجارح، فمعظم العراقيين يعتبرون العراق وطناً للفلسطينيين وكل العرب الآخرين، الأمر الذي أفضى بهذه الطالبة إلى المثول أما مديرة المدرسة لكي تنال جزاءها العادل على هذا التطاول الجارح.تتساءل سلوى جرّاح دائماً: "ماذا أكتب عن العراق، هذا الوطن الذي أحبه ولم أعرف وطناً سواه؟" وأكثر من ذلك فهي تذهب إلى القول "بأنها لا تحتاج إلى وطنٍ غير العراق!". وطبعاً لا يستطيع أحد أن يشكِّك في مصداقية هذا الحب، فهي لم تترك مناسبة ثقافية أو سياسية أو اجتماعية إلا وتحدثت عن القيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية العراقية، وربما كانت ترى في عراق الستينات وأوائل السبعينات صورة أنموذجية للبلد الحضاري المتطور الذي يمتلك غالبية اشتراطات الأوطان المتحضرة. لقد خشيت أن تقول كل ما كانت تريد أن تقوله في هذه الرواية، لكنها قرّرت أن تكون عراقية، كما هي دائماً، وأن تتكلم عن بلد كما تراه هي، من وجهة نظرها، التي قد لا تتفق مع وجهات نظر الآخرين، بأن العراق أو دجلة لا فرق قد أصبح "بلا شطآن" كما يقول عادل النعماني في النص الروائي.توقفت سلوى جرّاج بشكل خاطف عند الشخصيات النسائية الثلاث وهن جُمانة وبلقيس وخلود وعند أزواجهن والمصائر التي انتهت إليها الشخصيات الروائية الست التي تذكِّرنا بمسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" للكاتب والمسرحي الإيطالي لويجي بيرانديلو. نوّهت سلوى جرّاح بأنّ هذه الرواية تدور حول حياة الطبقة المتوسطة في العراق، هذه الطبقة التي انحسرت بفعل فاعل أو أزيلت من بنية المجتمع العراقي قسراً، وهي الطبقة الولود التي تنتج المثقفين والمتعلمين من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين ومحامين وأدباء وفنانين وما إلى ذلك، أي أن حراكها يتحقق بشكل تدريجي، هذا الحراك الذي نسيهُ العراقيون الآن ربما، فأنت تستطيع أن تغسل أموالاً أو تعمل مع الأميركان لتحصل على ثروات طائلة في زمن قصير جداً. ترى الروائية سلوى جرّاح بأن هذه الطبقة هي التي بنَت العراق، وشيّدت فيه أفضل الجامعات التي تخرّج منها خيرة الأطباء العراقيين الذين لا يزالون حتى هذه اللحظة هم من أفضل الأطباء العرب الموجودين في المستشفيات البريطاني
سلوى جرّاح: أحبُّ العراق ولم أعرف وطناً سواه!
نشر في: 19 يوليو, 2012: 07:13 م