فريدة النقاشحين زار «أردوغان» رئيس وزراء تركيا مصر قبل شهور هلل الإسلام السياسي واستقبله استقبال الفاتحين ولكنه عاد فودعه باللعنات لسبب بسيط هو أنه قال بضرورة فصل الدين عن السياسة لأن السياسة تؤذي الدين والدين خطر على السياسة، وأضاف أن النظام العلماني في تركيا ليس معاديا للدين وأن التناقض بين الإسلام والعلمانية هو تناقض مفتعل، لكن دعاة الإسلام السياسي في مصر رأوا في مثل هذه الدعوة تجديفا ومعاكسة لتاريخهم كله الذي اختلط فيه الدين بالسياسة فأنتج الكوارث بدءا من الاغتيالات التي برروها دينيا،
وليس انتهاء بالتكفير الذي لم يفلت منه مفكر أو فنان حر حتى أن المجتمع المصري شعر بالاختناق خلال ثمانية عشر شهرا من عمر الثورة برز فيها الإسلام السياسي بكل ألوانه بروزا لافتا وحصد أصوات الناخبين ليحصل على الأغلبية في انتخابات مجلسي الشعب والشورى ويسعى للحصول علي موقع الرئيس مع السلطة التنفيذية بكاملها.وفي هذه الانتخابات المشار إليها تلاعب الإسلام السياسي تلاعبا ماهرا بالدين وتوجه دعاته وداعياته للناخبين قائلين إنهم سوف يذهبون إلى الجنة إذا ما صوتوا لهم، ولكنهم أيضا قرنوا جنة الآخرة بالعطايا الدنيوية حين استثمروا فقر المصريين على أوسع نطاق فوزعوا المواد التموينية والأموال ووفروا للناخبين المعدمين سبل المواصلات للانتقال إلى مقار اللجان وهو ما شكل إهانة بالغة للملايين الفقيرة التي كان نظام مبارك قد همشها ودهسها تحت عجلات قطار الليبرالية الجديدة وسياساتها الاقتصادية الاجتماعية وممالأة كبار رجال الأعمال على حساب الكادحين.ونهضت سياسة الإسلام السياسي على توجيه المشاعر الاقتصادية للمهمشين والبائسين من ضحايا الأزمة العامة توجيها إيديولوجيا في شكل معاداة المسيحيين والنساء وذلك بدلا من تقديم حلول اقتصادية اجتماعية ناجعة للفقر والانقسام الطبقي الحاد ،لأن جوهر خياراتهم الاقتصادية - الاجتماعية هو ذاته خيار الليبرالية الجديدة ،ولذا كان صراعهم مع نظام مبارك صراعا على السلطة وليس من أجل سياسات بديلة ،لذلك أنهم يحلون قضية الانقسام الاجتماعي لا عبر إعادة توزيع الثروات على أسس عادلة وإنما على الأعمال الخيرية من صدقة وزكاة وإحسان ويبقي الفقراء في ظل هذه الآليات أسرى لعطايا السادة ويبقون فقراء مسلسلين رجلين ورأس لأن التلاعب بوعيهم باسم الدين يجعلهم يتقبلون وضعهم الهامش باعتباره أمرا طبيعيا.كذلك يقدم الإسلام السياسي خطابه كأنه حقائق لا جدال فيها يدعمها بطبيعة الحال استخدام القرآن الكريم وسيرة الرسول وسنته، أما استخدام النقد والتفكير المستقل فهو ممنوع باسم مبدأي السمع والطاعة على أساس من هذين المبدأين تنشأ الأجهزة شبه العسكرية التي يستخدمونها لإرهاب الخصوم وفرض سطوتهم.وتجمع برامجهم عناصر متنافرة مستقاة من أفكار وممارسات أقصى اليمين العالمي مع كلمات غامضة عن العدل، وهم يرفضون التعدد ويتطلعون لبناء نظام شمولي ودولة دينية تتأسس على أوهام الخلافة، ولنا أن نتذكر في هذا الصدد ممارسة الإسلاميين الجزائريين الذين أعلنوا أن الديمقراطية كفر، وأنهم خاضوا الانتخابات لمرة واحدة لن تجري بعدها أي انتخابات أخرى فيما لو نجحوا، وهو ما أفزع كل القوي السياسية المعرضة في ظلهم للإقصاء والقمع، وكان أن تدخل الجيش الجزائري لوقف مسار استيلائهم على السلطة.وكان حزب النور السلفي في مصر يرى أنه لا يجوز الخروج على الحاكم لأن ذلك في عرفهم كفر وحرام، ولكن حين بدا أن ثورة 25 يناير هي في طريقها إلى إزاحة «مبارك» قرروا الدخول بقوة إلى المعترك السياسي مدعين أنهم كانوا ثوريين ثم تحالفوا مع الإخوان المسلمين فضلا عن أن بعض قادتهم كانوا قبل الثورة أدوات طيعة في أيدي مباحث أمن الدولة.ولا أعرف حقا كيف يندفع بعض المثقفين الديمقراطيين نظريا للتعاون مع الإسلام السياسي بدلا من فضح الطابع شديد الرجعية لدعوته وممارساته وتبصير المصريين بهذه الحقائق، وليس هناك تبرير منطقي لهذا السلوك سوى أن هؤلاء المثقفين يبحثون لأنفسهم عن مواقع ومنافع في ظل حكم دعاة الإسلام السياسي ليحجزوا لأنفسهم مكانا في الخرابة المعتمة التي ستنتج حتما عن مجمل ممارساتهم وأفكارهم، وفي سبيل هذه المنافع الشخصية صغيرة كانت أم كبيرة يخونون تاريخهم ويتخلون عن دورهم النقدي رغم أنهم يدركون جيدا أن اللحظة التي نعيشها هي مصيرية بكل المعايير، وهكذا يقع عبء المواجهة على الأجيال الجديدة من المثقفين الذين يقيمون أوثق الروابط مع الكادحين ويبنون معا وعيا مشتركا بالمخاطر والأدوار ويكافحون للحفاظ على مدنية الدولة وحقوق المواطنين.. فنحن مواطنون لا رعايا.
الذين خانوا أدوارهم
نشر في: 19 يوليو, 2012: 07:15 م