د.مظهر محمد صالح(2_3)إن رأس المال المالي الأهلي الذي هو استنساخ لرأسمالية الدولة الريعية في الاقتصاد الانتقالي المالي المنفرد في العراق لم يخلُ بنفسهِ من المتضادات وتضارب المصالح في تقاسم الثروة وتكثيرها بين السوق المالي ورأسمالية الدولة المركزية عبر منظومة رأس المال المالي الكلي. ففي خضم التعايش أو التطفل الانتقالي،
تولدت شراكة ناقصة بين أطراف رأس المال (الدولة والسوق المالي) وهو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ رأسمالية الدولة الريعية في العراق. فالمهمة الرئيسة للسوق المالي الانتقالي المتحرر، بهذه الانفرادية الشديدة، لا يتعدى توفير حاضنة هي من وحي الانتقال ووظيفته لتحويل الشراكة الناقصة إلى رأس المال المالي الأهلي وإتمام نواقصهِ عبر طورين متعاقبين باتجاه السوق المالية الدولية وليس باتجاه النشاط الحقيقي المحلي الاستثماري والتنموي الذي غابت أسس ومقومات انتقالهِ إلى السوق الحر وتوفير بنيةتحتية قانونية مماثلة لما تم توفيره للسوق المالي الانتقالي الحر. وإن هذين الطورين المتعاقبين همــا: الأول :طور الشراكة الناقصة : ويتمثل بخلق أو ولادة الثروة المالية المستنسخة من رأسمالية الدولة الريعية عبر معادلة تعظيم التوزيع الاستهلاكي في موازنات الدولة التشغيلية وتدني الكفاءة الإنتاجية في الانتقال إلى اقتصاد السوق الحر الإنتاجي وتمكين التنمية فيها، وهو الطور الناقص : حيث يتراكم رأس المال المالي بأصول من الثروات النقدية الفعلية سريعة التحصيل تمثل حقوقاً على عرض مادي أو حقيقي محلي من المنافع والسلع والخدمات والثروات محدودة المقادير ضعيفة التنوع في سوق منخفضة الأداء عقيمة في توفير آفاق التنمية والتطور الاقتصادي ولا تمتلك في الوقت نفسه الاستعداد الكافي لتوليد القيمة المضافة الحقيقية وولوج الاستثمار الحقيقي. وعلى هذا الأساس ظلت الرأسمالية المالية الأهلية مقيدة الحركة والنمو في الطور الجنيني الناقص لضعف التكامل مع الأسواق الانتقالية الأخرى وتخبطها داخل السوق المالي لتمثل الحراك الصامت أو الاغتراب المالي financial alienation الذي يعيشهُ رأس المال المالي الأهلي في شراكته الناقصة) مع منظومة رأس المال المالي الكلي أو معسكر رأس المال المالي). والآخر: طـور التكامل : ويتمثل بتحقيق الثروة الرأسمالية المالية الأهلية وهو طور التكامل ،أي التكامل مع السوق العالمية الشديدة الليبرالية التي تمتلك حاضنة ذات طيف واسع من الأسواق الانتقالية ببنى تحتية متكاملة الوظائف. أي تحويل الثروة المالية الناقصة إلى ثروة كاملة يتولى المناخ المالي المتحرر المحلي تحويلها إلى حقوق والتزامات على عرض دولي واسع شديد التنوع في السوق المالية الدولية، وهو ما أطلقنا عليهِ في كتاباتنا السابقة رأس المال المالي السالب ! الذي يستقر في مستودعات الثروة خارج البلاد وانتقاله من ادخار أو فائض كامن محلي (ناقص الأهلية) إلى ادخار أو فائض كامن دولي (كامل الأهلية) ضمن آلية يوفرها النظام الاقتصادي الراهن في بلادنا عبر صراع بين لونين في مشاهدة مسرح الاحداث الاقتصادية أحدهما يراه أسود والآخر يراه أبيض ولكن الخاسر الوحيد هو الاستثمار الحقيقي في العراق. إن النظام الاقتصادي الراهن، لم يوفر فضيلة الاقتصاد الانتقالي إلى السوق الحر ببنية متكاملة أمام هذا الاجتزاء أو الأحادية الانتقالية من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق الحر المالي دون الأسواق الأخرى ولاسيما الحقيقة. وبهذا فقد أمسى السوق المالي الحر ذراعاً لانتقال الثروة المالية الناقصة التكوين ضعيفة الارتباط بمفاصل الإنتاج في الاقتصاد الوطني إلى ثروة مالية كاملة مع مستودعات المال الدولية وتقوية التراكم على الصعيد العالمي وحرمان البلاد من تراكمها الحقيقي عبر تكوين صناديق ثروة غير سيادية للرأسمالية المالية الأهلية خارج النشاط الاقتصادي للبلاد. إن آلية العمل في الاقتصاد الانتقالي المالي للعراق أمست اليوم مدعاة لتفجر الصراع بين رأسمالية الدولة المالية (المالك الريعي الكبير) وبين الرأسمالية المالية الأهلية (المالك الصغير) المتطفل على الريع المركزي ، وإن مكنونات الصراع يفجرها عاملان : الأول يتمثل بتوافر درجة مرتفعة من الضرائب السالبة على رأس المال المالي الأهلي المؤدية إلى تعظيم التراكم المالي من خلال التهرب الضريبي أو دفع ضريبة رأسماليــة هشـــــة و الآخر يتمثل بدور القطاع المالي المتحرر كقوة سوق مركزية للاقتصاد الانتقالي بتوفير مسالك تلقائية لتحويل الادخار المحلي الموجب (الثروة الناقصة لرأس المال المالي الأهلي وفق الطور الأول) إلى ادخار خارجي سالب (الثروة الكاملة لرأس المال المالي الأهلي وفق الطور الثاني المذكور سابقاً) ،أي تحويل الأخيرة إلى مدخرات خارجية تجد نفسها في مستودعات المال الآمن خارج البلاد في إطار حاضنة ليبرالية عالية توفرها السوق المالية المحلية المكتملة بالسوق المالية الدولية. وبهذا تتكامل دورة رأس المال المالي الأهلي في حاضنة نمو أجنتها في رحم ا
استقطاب ماليّ أم اغتراب اقتصادي؟
نشر في: 19 يوليو, 2012: 07:17 م