هاشم العقابي"الكنتور" عند العراقيين هو خزانة أو "دولاب" الملابس. بعضهم يرى أن أصل الكلمة إيطالي، وآخر يعتقد أنها مأخوذة من كلمة "كونتينر" Container الإنكليزية، التي تعني الصندوق أو الحاوية. إنه قطعة أثاث تصنع غالبا من الخشب ويعرّف بعدد "الطلاكات". فيقال هذا كنتور أبو "طلاكة" وذاك "أبو طلاكتين" أو ثلاث "طلاكات" أو أربع وهكذا. وقد يفتخر البعض بعدد "طلاكات" كنتوره كدليل على غناه أو "سطوته". لهذا قد تجد بالمنطقة الخضراء "كناتير" متعددة الأغراض يصعب حساب عدد "طلاكاتها".
كان اسم الكنتور، في أيام زمان، أكثر تداولا واستعمالا عند أهل المدن. وقد ارتبط اسمه عندهم كثيرا باستعدادات الزواج إذ أصبح جزءا مهما من أثاث بيت الزوجية الجديد. ومن هنا جاءت أهزوجة "جبنا العروس امحناية .. لا كنتور ولا جرباية". أما أهل الريف فلا يعرفون "الكنتور" مثلهم ويستعملون بدلا منه "المحمل" أو "المرفع". والمحمل عادة ما يكون لونه شذريا ومزخرفا بنقوش ذهبية اللون وتتوسطه صورة "بنت المعيدي".أما أن يكون "الكنتور" صفة يوصف بها بعض الناس وليس قطعة أثاث، فهذا اختراع عرف صاحبه. المخترع هو الشاعر ومصمم الإضاءة القدير عبد الله حسن. وعبد الله للذي لا يعرفه شخصية متمردة من مجموعة عبد الأمير الحصيري وجبار الغزي وخالد الشطري وجودت التميمي وغيرهم من نجوم التمرد السبعينية. لديه قصيدة شعبية ربما هي الوحيدة التي كتبها فصارت يتيمة دهره وعنوانها "الفاتحة". قرأها عشرات، إن لم أقل مئات، المرات. أتذكر نهايتها التي تقول: "الفاتحة .. والبقه براسج فلسطين الحبيبة".ذات يوم فاجأنا عبد الله بسؤال ونحن في جلسة بإحدى زوايا شارع أبو نؤاس: وين هذا الكنتور؟ منو؟ عجيب ما تعرفون الكنتور؟ لا ما نعرف. وهناك دخل علينا واحد من الذين يعاشرون الشعراء ويصاحبونهم وكأنهم هم "الغاوون"، فصاح عبد الله: اجه الكنتور. ومن تلك اللحظة صرنا نستعملها لوصف أشخاص آخرين دون أن نعرف معناها. السبب يبدو لأننا أحببناها بفضل طريقة عبد الله وحركاته الخاصة حين ينطقها. صار عبد الله يكثر من وصف ذلك "الغاوي" بالـ "كنتور": ها كنتور؟ شو ما تشرب يا كنتور؟ عندك فلوس تدفع لو، اليوم من صدك انت كنتور؟ غضب الرجل عليه وأقسم إن لم يفسر له معنى "كنتور" سيمسح به الأرض. رد عبد الله على الغاضب: ألم تسمع ببيت الشعر "إن قلت لا ادري فتلك مصيبة أو قلت ادري فالمصيبة أعظم"؟ أجابه : بلي. هوه هذا الكنتور يا أخي. بدا على وجه الرجل انه لم يفهم، فعاد له عبد الله بقصة ذلك القروي الذي جاء لكاتب عرائض كي يكتب له طلب تظلم للمتصرف. وعندما انتهى "العرضحالجي" من كتابة الطلب قرأه على القروي الذي صار يبكي ويقول: كل هذا صاير بيه وآنه ما أدري؟ رد الرجل الهائج: وآني شنو دخلي بالموضوع. موه هوه هذا هم كنتور. صاح الرجل: شنو؟ فرد عليه عبد الله بهدوء وبرود شديدين: انت كنتور لأنك ما تدري بروحك. ثم وقف وهوّس: كنتور الما يدري بروحه. وظل يكررها ونحن نرددها معه. ضحك الغاضب وضحكنا، فسارت هوسة عبد الله كالأغنية أو المثل على لساننا، ثم انتقلت للسان الناس في ما بعد.
سلاما ياعراق : كنتور الما يدري بروحه
نشر في: 20 يوليو, 2012: 05:16 م