قيس قاسم ـ السويدخبرته الطويلة لما يزيد على أربعة عقود، كرسته مهرجاناً عالمياً وأوربياً، جمع سينمات شرق وغرب قارة حيوية الإنتاج والتنوع، كانت الطليعة في صناعتها ولها فضل ديمومة استمرارها وكارلوفي فاري كان واحداً من المهرجانات التي عكست حضورها، بأكثر تجلياته، وتفاعلت في داخله الكثير من تياراتها وجديدها. ظل المهرجان أميناً خلالها لقيم الفن السابع، الذي يشترط وجوده كمهرجان معني بالسينما، رغم صراعات وحروب ساخنة وباردة مرت عليه، وظل يُغَلِب الفني على السياسي في ظروف تاريخية كان يبدو مثل هذا "التحييد" مستحيلاً،
وربما لهذا السبب يحظى اليوم بكل هذا التقدير والاهتمام. وينحو كارلوفي فاري لتكريس الفن السابع على المستويين الاحترافي والشعبي، متميزاً عن أخرى تغلب جانباً على آخر، وبهذا المعنى ينظر إليه كواحد من المهرجانات التي تراعي في خيارتها بين النخبوي والعام، بين جلب أفضل ما معروض في مهرجانات تسبقه زمنياً مثل "كان" وغيره وبين انتقاء لجديد سينما شرق أوربية وعالمية دون كثير تركز على العروض العالمية الأولى أو الأسماء الكبيرة، كهدف بقدر محاولته توفير فرص جيدة لجمهوره ليتذوق حلاوة أحدث الأفلام مع إبقاء الاهتمام بكل ما له علاقة بتاريخ السينما وتياراتها قائماً، والاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني يشير إلى هذا الميل.فَضَلت الدورة الاحتفاء بمنجز أنتونيوني عبر وثائقياته، التي مثلت خلال أربعينيات القرن الماضي خروجاً، على المستوى الفني، عن سابقاتها وبشكل خاص القصيرة منها، مثل: "ناس وادي بو" (1947)، "منظفو المدينة" (1948) و"أكاذيب الحب" (1949). في هذه الأفلام وغيرها اعتمد أنطونيوني على التعبير البصري، وسيلة لتوصيلها، مقللاً والى حد كبير من التعليق المصاحب لها، ولهذا جاءت أقرب إلى الصامتة منها إلى الوثائقية العادية مع تركيز شديد على اللقطة وزواياها، والتي بعمقها وغناها تولد إحساساً عميقاً بدرامية المشهد وعلاقته بالوسط المصور فيه. فـ"منظفو المدينة" ليس عن حياة زَبالّي روما فحسب بل عن المدينة نفسها، عن الحياة فيها عبر صلة ناسها في ما بينهم وبين مدنيتهم، وما يتركون من أشياء خلفهم يأتي المنظفون ويجمعونها من أجل الحفاظ على جمال مدينة تلفظهم بطريقة قاسية، جسدها أنطونيوني من خلال تصوير تفاصيل حياتهم اليومية. فالفقر الذي يعيشونه يعكس مناخ ايطاليا المهزومة في الحرب العالمية الثانية، وحياة الناس ولا أباليتهم تعبير عن روح إذلال أمة لا تعرف ماذا ينتظرها في الغد، تماماً كما صوره في "ناس وادي بو" فعلى ضفاف النهر كانت تتجمع الأحلام، والرغبة في الوصول مع القوارب والعَبارات إلى البحر المفتوح الآفاق. كان البحر وليس النهر وقواربه المحملة بالبضائع ما يدفع الناس للهرولة في استقبالها، كانت رغبتهم في الإبحار معها إلى مكان ثانٍ، ربما فيه الحياة أفضل من واديهم ونهرهم العظيم؟ هي من يحركهم لمتابعة مسارها حتى حدود البحر الذي لم نره! من نتاجه الطويل سيعرض جزءين من فيلمه الوثائقي عن الصين الشعبية "صين تشونغ ـ كو " (1972) والذي صور بموافقة حكومة ماو ثم منعت عرضه بعد الانتهاء من إنتاجه بحجة معاداته للشيوعية. عَرْض 16 وثائقي لأنتونيوني ستعطي صورة واضحة عن جانب من إبداعه ربما لا تتوفر للجميع فرصة التعرف عليها دفعة واحدة كما توفرها الدورة الحالية (29 يونيو إلى 7 يوليو) إلى جانب ما تقدمه من وثائقيات كثيرة قاربت الخمسين، ستشترك ستة عشر منها في مسابقاتها الرسمية، بزيادة عن المسابقة الروائية حيث سيتنافس على جوائزها 12 فيلماً من بينها الإيراني "الخطوة الأخيرة" لعلي مصفا والتركي الإخراج النمساوي الإنتاج "جمالك لا يعني شيئاً " لحسين تاباك وتدور أحداثه حول الصبي فيسيل، الذي جاء إلى فيينا من تركيا مع والديّه، وظل يشعر فيها بأنه غريب، فلا اللغة كان يفهمها في المدرسة، التي دخل إليها حديثاً، ولا وضع عائلته يوحي له بالاستقرار. وجود زميلته آنا في مدرسته خفف عليه شعوره بالعزلة إلى جانب جارهم جيم، الطيب القلب المفتول العضلات، والذي ساعده على التنقل بين الحلم والحقيقة، بين الإحساس العالي بالرومانسية وبين ضغط الحياة والتهديد الدائم بالرحيل من البلد الجديد. وفيما وقع الاختيار على فيلم ليسا باروس سا "اهتزارت جيدة" لافتتاح الدورة تقرر أن يُنهيها وودي ألن بفيلمه الجديد "إلى روما مع الحب" في الوقت الذي أدرج فيه فيلم ستيفن سودربيرج "سحر مايك" خارج المسابقة. وعلى المستوى العربي سيشاهد الجمهور ضمن خانة "منتدى المستقلين" فيلم المغربي محسن البصري "المغضوب عليهم" وفيه يقدم رؤيته الخاصة لمفهوم الإرهاب الملتبس عبر قصة تدور حول مجموعة صغيرة من الإسلاميين المتطرفين تخطف ممثلين مسرحيين بالمغرب وتحتجزهم كرهائن لديها. وكتقليد سنوي يمنح المهرجان شخصيات سينمائية مهمة جائزة تقديرية لمجمل نشاطه الإبداعي في حقل السينما وفي هذا العام ذهبت "كرة الكريستال" الى الممثلتين؛ البريطانية هيلين ميرين والأميركية سوزان ساراندون تكريما لمنجزهن الكبير ومساهمتهن المهمة في السينما العالمية وشعبيتهن الواسعة. وستحضر هيلين ميرين حفل الافتتاح وتقوم بتقديم فيلمها "الباب" من إخراج الهنغ
احتفاء بمئوية أنتونيوني ولقاء سينمائي بين غرب أوربا وشرقها
نشر في: 20 يوليو, 2012: 05:24 م