شاكر مجيد سيفو الشعر الذي يأكل من الروح "راءها وواوها وحاءها" هذا الشعر فضاء جمالي استثنائي يشتغل خالقوه على جدلية عالية، لا بل جدليات باللغة وإشعاعاتها وانزياحاتها وأيقونيتها وتذويتها أي جعلها ذاتاً ومسكناً ووجوداً. حسب هايدجر – اللغة مسكن الوجود، فأذن حين ننوجد في اللغة نكون نحن الوجود ونوجد الوجود شعراً أي أننا نشعرن الوجود، الشعر الذي يمتص كثافته الوجودية من العوالق الحياتية، من تصادم معادلة الحياة والموت والحلم والتخييل،
يستدعي الشعر عوالم الوجدان والرؤيا في لغة رائية تمتص رؤياتها من الحضور الوجداني الرؤيوي الذي يغني العذاب بتعبير رامبو "الشعر هذا الصنف الذي يغني العذاب" في قلق الحياة ومعه ومعها وبه يدرك الشاعر جوعه إلى اجتراح الروح الشعري من وبالروح اللغوي أو بـ (جوع اللغة) حسب تعبير رولان بارت، في هذه المعادلة يتحرك جوع اللغة باتجاه الانفلات، إذ يتعدى مفهوم الرياضة الملهمة التي تقف منها على معادلات كما يرى إزرا باوند بل هو (بهاء اللغة المثلى ونضارتها ـ وأيضاً حسب بارت. يتحرك الشاعر في عالم غامق من العلاقات اللاسائدة التي تبتعد عن الزخرفة وتدخل في طبقات اللغة وجمالياتها، الصورة والإيقاع، تألّق الكلمات المتزاحمة في موكب مهيب لاستنطاق المعاني العالية إلى تفجير اللغة أي الطبيعة الاشتغالية للغة كما يسميها بارت وفوران التجربة وجمال المباغتة وسحر ولذة الدهشة المبني عليها التشعير، الشعر لغة أخرى ورؤيا وموقف إنساني وجمالي.. الشعر موقف روحي وجمالي ورؤيوي من الكون والحياة والعالم وحتى العلم، ولا يتحقق هذا الجمال الخلاق والاستثنائي إلاّ عبر لغة تحولية متفجرة تفضي إلى علاقات جديدة تعبر عن مفاتن الفكر والفلسفة وعلوم الأرض الحية، إذ تتماهى هذه مع هواجس النفس الضامئة إلى المزيد من الحرية... يحيا الشاعر في المناطق العالية، في المناطق الخفية يؤرخ لصوته في أعماق الكون إذ يتشكل في وعيه الجمالي وبه " الشعر" الذي يتشكل ويتشاكل مع طقس اللغة الاجتماعي، الشعر والشاعر يشكلان حالة جنون متصلة وتواصلية في عالم اللغة وبه، بكيمياء واللغة يصنع الشاعر شعره، بالألم الذي يفضح كيمياء الذات ... يدخل الشاعر إلى متحف العالم ويكشف اللذيذ والمدهش وبالألم يتكون الروح الشعري، الذي يقودنا إلى الألم نفسه، " حين نذهب الى طموحنا نحن أبناء الأجيال المتألمة والمجتذبة بالرؤى – بتعبير الرائي أرثور رامبو... حين يغدو الشعر سلطانا يتجاوز الروحي والذاتي إلى الإنساني المتسع لأرواح كائنات لا حصر لها، يحترق من أجل أن يولد من رماده – يبتكر مخلوقاته من داخله، يخلق ويتخلق بالأنساق المعرفية المتراكمة يسير النص فوق العدم غير مبالٍ به، يحمل توصيفاته أنّى يشاء والى الأماكن المجهولة، المغلقة والمفتوحة، يذهب بأقصى غماقته الى الشفافية ويستفيد من تعالقات التجنيس ومن قوة الكلمة المقدسة التي تخترق كل منحنيات الحياة، للوصول إلى المعاني الكبيرة والوصول بالمغامرة القصوى إلى أقصاها.
في شعرنة الوجود
نشر في: 20 يوليو, 2012: 05:27 م