عدنان حسين عشية بدء شهر رمضان زفّ إلينا مكتب نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي بُشرى لا تعادلها أي بشرى أخرى. وهي وإن كانت موجهة إلينا نحن الإعلاميين إلا أن "بركاتها" ستغمر جميع العراقيين، نساءً ورجالاً، شيباً وشباناً ورضّعاً في المهود.
السيد الخزاعي يُبشرنا بقرب إنتاج مشروب جديد معبأ في قنانٍ، من الزجاج أو البلاستيك لا يهم، الشفاف أو الملون لا يهم أيضاً.. المهم انه، من وجهة نظر السيد النائب، مشروب طاقة يُغذي الأبدان والعقول والأرواح، وبالتالي فهو أفضل وأنفع من شراب تمر الهند أو النومي بصرة أو الزبيب أو الجلاب أو قمر الدين وسواها من المشاريب الرمضانية.مشروب السيد نائب رئيس الجمهورية فيه ميزة أخرى انه لا يوسّخ الملابس إن سقط عليها ... لكنه -والكلام بيني وبينكم- يوسّخ العقول والأنفس.ربما سيفضل السيد الخزاعي منح مشروبه اسماً طائفياً، على غرار لحوم الغنم والدجاج التي غزت أسواقنا في السنوات الأخيرة ويُفصح كل نوع منها عن مذهب منتجها ومستوردها ومرجعيته الدينية!ومشروب السيد الخزاعي أعلن مكتب نائب رئيس الجمهورية عنه أثناء اللقاء بين السيد النائب ووفد من هيئة الإعلام والاتصالات الثلاثاء الماضي. وجاء الإعلان في بيان صحفي قال "أكد فخامته خلال اللقاء على ضرورة احترام حرية الإعلام من جهة وتقنين العمل الإعلامي من جهة أخرى بما يخدم المصالح الوطنية".ولم تفت السيد النائب الإشارة إلى "أن للإعلام ضوابط وأسساً يجب أن تراعى كما هي في أغلب بلدان العالم، واحترام هذه الضوابط ينم عن تقدم ورقي هذه المجتمعات".هذه الضوابط هي، كما "المصالح الوطنية"، مطاطة وحمالة أوجه مثل الدستور الذي شارك السيد النائب وجماعته في صياغته التي التزمت ضوابط التقيّة فجاء الدستور مثيراً للمشاكل والأزمات وليس حلالاً لها.نائب رئيس الجمهورية لم يكفه أن الحكومة والبرلمان قاما في العام الماضي بعمل سيئ للغاية في ما خصّ الإعلام عندما تجاوزا على الدستور (قانون حقوق الصحفيين) بوضع قيود ثقيلة على حرية تدفق المعلومات، وهي العنصر الأساس والحاسم في العمل الإعلامي.. لم يكف السيد النائب ذلك ولا العمل الجديد الأخرق الذي يُراد للبرلمان أن يصادق عليه بإجازة قانون جرائم المعلوماتية البالغ السوء من فرط تعارضه مع أحكام الدستور وكل الشرائع والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة.. نائب رئيس الجمهورية لا يكفيه هذا ويريد الآن أن يعبئ العمل الإعلامي في قنانٍ، بذريعة مفهومين هلاميين هما "المصلحة الوطنية" و"الضوابط".لمعرفة السيد النائب ومعلومه أن العالم الديمقراطي لا يضع "ضوابط" للإعلام ولا يعممه بعمامة "المصلحة الوطنية".. الديمقراطية تمنح الإعلام الحرية الكاملة، والمتجاوز من الإعلاميين يحاسبه القضاء (بموجب قانون العقوبات الوطني) مثلما يحاسب المتجاوز على الإشارة الضوئية أو السارق من المال العام.للإعلام في الديمقراطيات دليل عمل موحد يعرف باسم "أخلاقيات المهنة"، وهذا ما ينقصنا هنا في العراق. وهذا النقصان مسؤولة عنه الدولة لأن سلطاتها الرئيسة، وبخاصة الحكومة والبرلمان، تشجعان على الارتزاق في العمل الإعلامي وتدعمان المرتزقة.مشروب السيد نائب رئيس الجمهورية "الإعلام المقنن" لن يجعل رمضان هذا العام وأي رمضان آخر كريما.
شناشيل: مشروب السيد النائب
نشر في: 20 يوليو, 2012: 09:36 م