TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس :في مديح حبيبتي دمشق

قرطاس :في مديح حبيبتي دمشق

نشر في: 21 يوليو, 2012: 06:29 م

 أحمد عبد الحسين نادرة هي المدن التي تمنحك روحها وتجعلك ابنها بلا مقابل، ومن هاجر وتغرّب كثيراً يعرف أن المدن التي تعطيك مكاناً للإقامة تفعل ذلك بشروطها، وبعضها قاسٍ، ليس أقلّ من أن تشطر ذاكرتك بين عالم جئت منه وآخر أنت فيه.إلا دمشق، الأمّ الرؤوم التي تستقبلك بألفةٍ مبالغ فيها خوف أن تزيدك غربة على غربتك، ومهما كانت ذاكرتك مترعة بحنين إلى منبتك فإن دمشق تدهشك بقدرتها على أن تصبح هي الأصل والمنبت منذ أول خطوة لك فيها.
أتذكر حيرتي وتقلّبي على سرير الأرق حين كنت في تورنتو الكندية 2003 وأرى إلى بغداد تحترق بصواريخ تأتي من بعيد كما بأسلحة طاغيتنا الأرعن، كانت وجوه أحبائي، أهلي وأصدقاء طفولتي، تمرق أمامي حزينة كئيبة وأنا لا قدرة لي إلا على أن أشاركهم الحزن والاكتئاب.ذات الشعور أنا فيه اليوم حين أرى دمشق حبيبتي تحترق بأيدي جلادها وقاتل أطفالها الذي يسير إلى حتفه ويريد أن يأخذ معه أكبر عدد من الضحايا ليزداد ارتكاساً وليؤثث له مقعداً محترماً في المكان الأكثر خزياً وعاراً في التأريخ شأنه شأن صدام والقذافي.دمشق وناسها "لكنْ .. ما المدينة إن لم تكن الناس ـ شكسبير" موشومة في ذاكرتي ووجداني، وطوال 11 سنة كنت أسير كلّ يوم تقريباً من مسكني لأجتاز المدينة القديمة التي تتجدد دهشتها كلّ صباح، وفي المرات القليلة التي كنت أسافر فيها إلى بيروت أو كردستان كنت أرجع إليها كأنما إلى بيتي وعائلتي.اليوم يحمل لي التلفزيون صوراً عن أماكن عشت فيها، ولي فيها أصدقاء وأحبة، أراها تحترق بيد وحش يريد أن ينتصر بصواريخه وقنابله وشبيحته وعواينيته على الدمشقيين وعلى جمال مدينتهم وطلاقة أرواحهم لكنه يدرك ومعه مناصروه أنّه تحالف مع المستحيل وأن طريقه مؤدية إلى هاوية.أول من أمس أعلنت حكومتنا الرشيدة أنها لن تستقبل لاجئين سوريين، وكان هذا مؤلماً لي، لأني أراه نكران جميل من قبلنا لسوريا وللسوريين الذين أعطونا الأمن وألفة العيش بلا مقابل، وهو مؤلم أكثر لأن من أصدر هذا القرار وصادق عليه كان يتنعم بهناءة العيش في دمشق التي آوته طويلاً.جاري في منطقة الصناعة بدمشق، شقته لصق شقتي، كان عراقياً مثلي، لم نكن نتكلم كثيراً أنا وإياه، لكني أعلم أنه لم يكن آمناً لولا دمشق، ولم يكن يحيا حياة سويّة لولا السوريون، ما باله اليوم وقد أصبح يأمر وينهى في بغداد نسي ما أعطته أُمّنا العظيمة دمشق التي ستظل حبيبتنا إلى الأبد.ما بال هؤلاء القوم لا يستطيعون أن يكونوا بشراً أسوياء، ويرجعوا إلى أرواحهم ليروا أن ما هم فيه الآن من رفاهية وسلطة وأموال "حتى وإن كانت حراماً"، لدمشق حصة كبرى فيه.قلبي على دمشق المبتلاة بجزّارها، دمشق التي، وحدها، تنازعني حبّ بغداد المبتلاة بقساة القلوب، ناكري الجميل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram