حازم مبيضينلن يظل الأردن بمنأى عن الرياح التي تهب عليه من الشمال, والأدهى أن غرفاً كثيرة في مفاصل صنع القرار, تنام على وهم حرير تماسك الجبهة الداخلية, بينما يفكر البعض مسبقاً بحلول أمنية, ثبت فشلها في كل العواصم التي زارها ربيع العرب, وينصرف البعض إلى التلهي بمواضيع هامشية قابلة للتأجيل,
أو حتى صرف النظر, في وقت تتدفق فيه أعداد اللاجئين عبر الحدود, دون أن تكلف الجهات المعنية خاطرها, بالتعامل مع هذه القضية الحساسة, وتترك أمرها لنخوة مواطني المناطق الحدودية, ولا تزعج مزاجها ولو للحظة بأن تفكر بدوافع مواطنيها للتعاطف مع القادمين, وهي دوافع تنطلق في الأساس من روابط القربى التي تجمع الطرفين, رغم كل حدود سايكس بيكو, التي لم تعد قادرة على منع تنقل الأفكار والطموحات الشعبية المشروعة, سواء ولدت في عمان, أودمشق أو حلب أو بيروت.بعد ستة عشر شهراً من تفجر الأحداث في سوريا, يتم الآن إنشاء مخيم للاجئين من هناك, وقبل ذلك كان الجهد كله ينصب على الجانب الأمني, وهو جانب نعترف بأنه شديد الأهمية والخطورة, لكن على المعنيين بالأمر, الاعتراف حتى لو جاء متأخراً, بإهمال جوانب أخرى كثير لاتقل أهمية, ليس من بينها بالتأكيد أسلحة النظام السوري الكيماوية,وفي الظن أن كثيراً من المسؤولين, لم يلتفتوا للتحذير الذي أطلقه الملك عبد الله الثاني, حول اليوم التالي لسقوط النظام السوري, وهو متوقع بغض النظر عن الموقف من ذلك النظام أو مناوئيه, وهو تحذير يستند إلى قراءة سياسية, يبدو أن مسؤولينا يعجزون عن اللحاق بها, أو التعاطي مع مفرداتها.في الأردن الكثير من القوى السياسية, تنتظر نتائج ما يجري عند حدودنا الشمالية, وتبني مواقفها الحالية والمستقبلية على تلك النتائج, الإخوان المسلمون ينتظرون فوز رفاقهم السوريين, وبعض القوى القومية تتطلع إلى سحق الثورة والثوار, وإذا كان هؤلاء أوجدوا في ما بينهم قاسماً مشتركاً, حيال بعض القضايا المحلية في الحراك الشعبي, فإن الموقف مما يجري في دمشق باعد بينها, وانتقل إلى صراع مكشوف أحيانا حول تلك القضايا, متستراً بالحديث تارة عن وطن بديل, وأخرى عن مواد دستورية مطلوب هنا إلغاؤها, وهناك التمسك بها, وإذا كانت بعض مفاصل القرار, تركن إلى مقدرة هذا التنافر على منع توحد القوى الشعبية, على مطالب تتجاوز خلافات النخب السياسية, فإنها تكون قاصرة عن تعلم الدروس من ما حدث في العراق أولاً, وامتد بعد حين إلى تونس ومصر وليبيا وسوريا, وهو لن يتوقف لسبب بسيط, هو أن التاريخ لايستطيع التوقف عند مرحلة معينة, أو انعطافة, مهما كان حجمها كبيراً ومؤثراً.تهب الريح على الأردن من الشمال, البعض يراها ريحاً سموماً, والبعض يعتبرها نسائم منعشة, لكن المدهش والمثير للاستهجان, أن بعض المسؤولين لايشعرون بها, مع أن الأغنية الشعبية تقول " الهوا الشمالي غير اللونا ", فكيف والقادم ليس مجرد هواء, إنها ريح عاتية تستدعي اليقظة, وليس التشبه بالنعامة حين تدفن رأسها في الرمل, كي لاترى الخطر القادم, مع أنها تستشعره, وتحس به, وتعرف نتائجه.a
في الحدث: الأردن في مهبّ الرياح الشمالية
نشر في: 22 يوليو, 2012: 06:43 م