سرمد الطائي لفت نظري في صحف اليوم خبران، واحد من طهران وآخر من السماوة. فالعاصمة الايرانية التي تعد ذات بنية تحتية شبه متكاملة مقارنة بخرائب العراق وما شاكله من البلدان، تشكو "نقصا في الايمان" كما يقول محسن كاظميني رئيس قوات "محمد رسول الله" التابعة لحرس الثورة والمكلف بحماية طهران.
الرجل اثار زوبعة في بلاده حين قال في مؤتمر صحفي، ان طهران بحاجة الى 10 آلاف مسجد وجامع ونحو 50 ألف رجل دين، لمواجهة "الحرب الناعمة" التي يشنها الغرب على ايران. وذلك لان طهران تعيش "نقصا هائلا" في ادوات مواجهة الحرب الغربية على ايمان الناس.وعلى سبيل المثال ففي مجمع اكباتان السكني الراقي المكون من عشرات المباني الشاهقة، يعيش 170 الف شخص من الطبقة المرفهة اجتماعيا والتي تلقت تعليما جيدا، لكن لا يوجد اي مسجد او جامع داخل هذا الحي. ويقول الجنرال كاظميني ان سلطات بلاده قامت بوضع 100 خطة ونفذت 500 عملية ميدانية، للتعامل مع "ضعف الايمان" المتفشي بين السكان، وكان بين تلك العمليات اغلاق لكوفيشوبات ومطاعم وعدد من دور النشر، ومصادرة عشرات الالاف من اجهزة الستلايت.وهذه المشكلة تقع بموازاة ازمة اخرى اثارها جنرال آخر قال الاسبوع الماضي ان على تلفزيون الحكومة ان يتوقف عن عرض مشاهد تناول الدجاج في المسلسلات، لانها تغيض الفقراء الذين يواجهون ارتفاعا رهيبا في اسعار هذا الطير المسكين، حتى ان رجل دين بارزا في قم اعلن امس انه سيمتنع عن تناول الدجاج تضامنا مع الفقراء الايرانيين، وذلك في تطور بارز يشهده ملف "اسعار الدجاج" في الدولة النووية التي تظلم شعبها قبل ان تظلم المنطقة المشتعلة حولها.اما في العراق فليس الخبر البارز اليوم متعلقا بهجمة الغرب علينا ومحاولته اضعاف ايماننا كما يحصل مع طهران، بل ان الغرب ساعدنا في توفير ظروف لبناء آلاف اماكن العبادة الجديدة وتعزيز نفوذ الحركات الدينية، تحت شعار ان الطريق للتصالح مع التشدد هو التعايش معه املا بتحوله الى حالة معتدلة.وهذه الايام تخلو وسائل اعلامنا من اشارات لاحداث جادة عدا الارباك المعجون بالمأساة عند الحدود السورية التي لم يصلها صحفي عراقي حتى الان بسبب غموض موقف الحكومة وحيرتها ومنعها وسائل الاعلام من تغطية ما يجري بين الشام والانبار.لكن بين الاخبار التي ترسم بدقة طريقة ادارة الدولة لدينا، تصريح قادم من محافظة المثنى التي اعلن مسؤول بارز فيها انها لا تمتلك حاليا سوى اشارة مرورية واحدة، لأن البلدية هناك قررت حفر كل الشوارع والطرق والتقاطعات، دفعة واحدة بهدف ترميمها وإصلاحها وأزالت المتاح من الاشارات. ولا ادري لماذا اعتادت الادارات في بلادنا ان تستيقظ صباح بعض الايام لتقرر اخضاع كل الطرق الرئيسية للتصميم، فترى فجأة ان كل الشوارع انقطعت، ولافتات المرور ازيلت، وانهمك العمال في الحفر والبناء، وحين "تنجلي الغبرة" لا نشاهد الا شارعا سيئا، او جسرا مهددا بالانهيار، او رصيفا يتآكل بعد شهر، دون ان يتذكر احد اعادة الاشارات المرورية الى مكانها. ولا يمكن في العراق ان نتحدث عن اشارات مرورية، وقد تهنا يوما في الطريق الى الحلة ووجدنا انفسنا في الديوانية بسبب غياب اي علامة مرورية تذكر على مدى 100 كم في الطريق الدولي.مسؤول مدينة كبيرة مثل طهران لا يواجه مشكلة عميقة في بنيته التحتية، لكنه يعيش ريبة كبيرة من الغرب ويعتقد ان سلوك الشباب الحديث جزء من مخطط كافر لتدمير الامة، وان الحل يكمن في بناء 10 آلاف جامع و50 ألف رجل دين اضافي في بلد لا يوفر الدجاج لسكانه. اما مسؤول مدينة صغيرة مثل السماوة فإنه لا يواجه حاليا خطر "التغريب" الذي يواجهه نظيره الطهراني، لكنه لا يمتلك الا اشارة مرورية واحدة، في طول المثنى وعرضها، ويتحدث بحيرة كبيرة عن بلدية تحفر كل الشوارع دفعة واحدة، ولا ادري حقا اي الرجلين اوفر حظا مع محنته، لكني ادري ان كليهما في محنة كبيرة!
عالم آخر :خبر من السماوة وآخر من طهران
نشر في: 26 يوليو, 2012: 03:34 م