احمد المهنا هناك من يأخذون "الابتسامة" على محمل الجد، فيفكرون في دلالاتها، ويقلبون وجوهها، ويستخرجون منها مذهبا، أو منظورا، يرون من خلاله الى الآخرين، ويقسمونهم بين فريقين، احدهما الباسم والثاني المتجهم، ويبنون على أساس هذه الرؤية موقفا.
فان لي موقفا من فريق المتجهمين. ولكنه ليس موقفا متشددا. ذلك ان المرونة في العقائد والمواقف ضرورية، لأنها تحمي من الانزلاق الى التعصب. والتعصب هو مصدر ثلاثة أرباع الشرور في حياة البشر. والربع الباقي يكمن في أصل التكوين، وهذا مما لا رادَّ له ولا منقذ منه، الا من عصم ربي.ولكنني اعترف بالحذر، ان لم يكن الخوف، من الوجوه المتجهمة. وقد جاء حذري في محله أحيانا. وأتذكر أنني تفحصت مرة وجها "متجهما" كان جالسا بين عدة وجوه سياسية. وقد شدني خاطر معين فيه. ولكن بما أنني ذو صلة، على نحو ما، بالثقافة والسياسة، فقد تشككت في خاطري. ذلك أنني لا اطمئن لسلامة " الحس السليم" لدى هذه الفصيلة، لأن "الأفكار" التي تملأ غالبا نفوس الساسة والمثقفين، تجردهم أحيانا من الحس السليم، الذي يتمتع به عادة بسطاء الناس من ذوي الفطرة السليمة.وهكذا ففي أثناء ورود تلك الخاطرة الى رأسي، وجدت الى جانبي أناسا من ذلك النوع البسيط، يتفرجون مثلي على ذلك الجمع من وجوه الساسة وهم يتحدثون في التلفزيون. وكانوا جميعهم وافدين غير معروفين في العراق، أواخر عام 2004 . وسألتهم: مَنْ بين هذه الوجوه يذكركم بناظم كزار؟ وجاء جوابهم موافقا لخاطر الشبه في التكوين بين السياسي الوافد وبين اشهر ملوك التعذيب في العراق. ثم كرَّت السنون فإذا بخاطري يصدق، ويتضح "بما لا يدع مجالا للشك"، أن ذلك المتجهم "ليس حساسا" تجاه التعذيب. والسياسي المتجهم قد ينجح في العراق ولكنه لا عيشة له في الصين. ففي ذلك البلد يقولون "اذا كنت لا تستطيع الابتسام فلا تفتح دكانا لأنك تفشل". ولعل الابتسامة رفيقة المسالمة. وقد عرفت بلاد الصين بالمسالمة تجاه الأمم، فكل حروبها على مر التاريخ دفاعية لا هجومية. والصينيون ليسوا قليلي شر مع بعضهم، ولكن حتى أشدهم، الرفيق ماو، كان باسما.والظاهر أن التجهم سياسة رابحة في روسيا. فعميد الدبلوماسية السوفياتية طوال ثلاثة عقود، اندريه غروميكو، لم يكن يضحك للخبز الحار. وتابعه في السيرة خلفه الحالي سيرغي لافروف، فهو "صاحب وجه معذِّب يرتاح للتجهم". ويختلف عنهما غورباتشوف، ولكن ثاتشر رأت ذلك الاختلاف مظهرا يخفي مخبرا، فقد قالت عنه انه "صاحب ابتسامة ساحرة يخفي انيابا قاطعة". وليست هناك براهين من التاريخ على صحة انطباع "المرأة الحديدية".وبنظر مأثورنا فان افراط السلطان في البشاشة والهشاشة خفة وسخافة، واقلاله منهما عجب وتكبر. والابتسامة صادقة في الكشف عن حقيقة الشخص ولو كانت كاذبة، حسب مثل مجري يقول:" من تجمله ابتسامة فهو صالح، ومن تشوهه ابتسامة فهو طالح".ولمونتاني، سيد فن المقالة، هذا القول: "أنا أرتاب بكل وجه عابس". واحفظ من الذاكرة، لا أعرف ما اذا كانت له أو لغيره، هذه الجملة الحاسمة:" للفضيلة وجه باسم". وقد حاولت التحقق من صحة هذا الرأي في سيرة أيوب، أكبر الفاضلين في التاريخ، فلم يسعفني سِفرُه المجيد بدليل. ولذلك "اهتز موقفي"!
أحاديث شفوية: هل الابتسامة شرط الفضيلة؟
نشر في: 26 يوليو, 2012: 03:47 م