حكمت البخاتي 2-2 من أجل أن تبرر السلطة ذاتها فإنها تلجأ إلى التأويل في علاقاتها بالدولة فإنها تتأول سياستها وفق المصلحة العامة أو وفق ضرورة تفرض حالة استثنائية مثل حالة طوارئ التي تحكم فيها السلطة قبضتها على الدولة، أو أن الدولة باعتبارها أوسع من السلطة قد تتأول علاقتها بالسلطة بحالة من الضدية وعدم السير وفق مصالحها كدولة تجسد أمة أو بالأحرى تجسد مصالح أمة وتكون الأمة في هذه الحالة هي من يمارس التعبير
عن الدولة بصيغة معارضة أو صيغ في التغيير تجد الأمة تعبيرها أحياناً في الثورة على السلطة مما يفند كل تأويلات السلطة وتكون محاولة انتقال منها أي من الأمة إلى التعبير عن ذاتها عن كيانها عن معناها في الدولة تعبيراً حقيقياً وليس مجازياً يجد تعبيراته في سلطة تحتكر حق التعبير عنها أو التمثيل لها بالقوة المشروعة أو العنف المحتكر لها من دون الأمة وحين يقتحم التأويل علاقة الدولة بالسلطة فإن الدولة تبدو من عالم المعنى الغيبي، الغامض، الساحر، الغيبي في قبالة حال السلطة الحاضر – المشاهد – الغامض في قبالة واقع السلطة المتحقق، الساحر في قبالة سلطة الجذب التي تمارسها الدولة تجاه الناس إن ما يبرر انتماء الدولة إلى عالم المعنى أنها لم تخرج عن مسارات المعنى المكتشفة في حياة الإنسان ،فلذلك تعددت أفكار المعنى فيها أي معنى الدولة من أبوية إلى طبقية إلى تجليات في الروح الكبرى إلى إمكان القوة ،وهي تفسيرات في معنى الدولة تكشف عن ظاهرة نشوئها وتشكلها.أن انتماءها إلى عالم المعنى الغامض ضمن لها عدم انحطاطها إلى مجرد صنع بشري شأنها شأن النظام السياسي، السلطة، الحكومة ،وانتماؤها إلى هذا العالم يجعل منها كمعنى كفكرة تتموضع في المسافة الفاصلة بين ما هو إلهي وما هو بشري ،إنها دون الإلهي لكنها فوق البشري ،وفي تلك المسافة دوماً تكمن اكتشافات المعنى – الحقيقي في وجود الإنسان والمتأول في حياته في تاريخه. إنه نوع من عالم المتصوفة الذي يجولون به في سكراتهم الروحية ويتذوق الحقائق فيها الصوفي الواله، لكن الغموض يكتنف التعبير الصوفي عنها ،إنه إحساس بالمعنى يعجز عنه تحسس اللفظ ويندر تشكل المضمون فيه حرفياً. ولا يكون مجرد إضفاءة معنى لأنها (أي الدولة) الأعمق ضرورة في تاريخ الإنسان، في حياة الإنسان بل هو معنى منكشف بذاته عبر انسياقه عن الضرورة يفيض بقوة حيويته على العقول والنفوس فيصنع مفهوماً وتتجلى به حقيقة ذلك ،لأن معنى الدولة كامن أو كائن يتهيأ للظهور الاجتماعي دائماً.ولعل أرسطو كان يؤمن بهذا المعنى في الدولة المنكشف أو المنبثق ،فيقول إن الإنسان له طبيعة حيوان سياسي وبهذا تكون الدولة وفق تفسيراتها القديمة ظاهرة طبيعية ووفق تفسيراتها الحديثة ظاهرة صناعية، لكن حين يلتمس الأمر على جورج بوردو وكغيره من الغربيين في تأصيل الدولة أو في أصل الدولة وهو جزء من غموضها عند الغربيين فإنه يلجأ إلى اختصارها في تاريخ أوروبا، فالدولة صناعة أوروبا منذ القرن السادس عشر الميلادي عندما بدأت كجهاز جديد بأناس هذا القرن فأعطوه اسماً تناقلته شعوب هذا العصر عنها – بوردو – إذاً هناك تاريخ ملغى بالقدر الذي ألغت به الحداثة كل معنى قديم ،كل معنى لم يكن مجرد إضفاءة يمارسها العقل على من حوله أو فكرة يصف العقل بها كذات العالم من حوله كموضوع، فالعقل الحداثوي هو الذي يصنع المعنى والحقيقة بآن واحد ،فالدولة معنى متصور في العقل الحداثوي لكن يبقى يكتنفه الغموض وفق هذا التصور أيضاً ذلك لأنها لغز وحل لغز يجد تعبيره في إشكالياتها التي تستغرق الجدل في المعنى فيها ،وحل يجد تعبيره في نموذجها المتطور تأريخياً سياسياً إداريا اجتماعياً ،لكن النموذج يبقى دوماً منخرطاً في جدلية الإشكالية وهو ما يمنحها القوة في الاستمرار والبقاء. من هنا نجد أن الكتابة في الدولة اصطلاحاً ومفهوماً ونظاماً وتاريخاً وتجديداً وتطويراً لم تنقطع في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وحين تصدق الدولة أنها نموذج لا يخضع إلى جدلية الإشكالية أو هي فوق الجدل في إشكالات المفهوم والمصطلح فإنها تجد نفسها غارقة في مشكلة دولة غير قادرة على اكتشاف المعنى في ذاتها فيتعطل المضمون بها وينحل الشكل فيها وتتحول بذاتها إلى مشكلة تجد الأمة محنتها فيها. ختاماً ،علينا أن نجدد المعنى في دولتنا التي أطلت برأسها علينا بشكل مفاجئ بعد 9 / 4 / 2003.
الدولة اللّغز والحلّ والمعنى المتجدّد
نشر في: 26 يوليو, 2012: 03:55 م