صابرين فالح كانت ثورة 14 تموز 1958 نتيجة حتمية للنضال الجماهيري المميز، فقد ناضل الشعب العراقي بكل فصائله السياسية والمهنية ضد السلطة الحاكمة التي كانت تستهين وتتلاعب بمقدرات الشعب، فكانت الانتفاضات المستمرة الدؤوبة من أجل الوصول إلى الهدف وهو الثورة التي هي المعبر الحقيقي للنضال الجماهيري.
وكان أهم إنجازات الثورة إشاعة الروح المدنية المتحضرة في الريف العراقي بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وإلغاء قانون دعاوى العشائر الذي كان يخول شيوخ الإقطاع حسم القضايا الجزائية في مناطقهم، وإدخال الريف في صلب التحولات الاجتماعية، من خلال إشاعة روح القانون والقضاء على العشائرية والانتماءات الأخرى. وعمل هذا القانون على إنهاء الدور العشائري، الذي كان من مكاسب استبدال الاحتلال العثماني بالبريطاني آنذاك، إذ استطاع بعض رؤساء العشائر والقبائل أن يستحصلوا تخويل قانون يسمى نظام دعاوى العشائر، الذي وفّر مكاسب مادية واعتبارية كثيرة لهم، بالمقابل شاع الظلم في المجتمع من خلال هذه السلطة التي منحها المحتل البريطاني لرؤساء العشائر والمتنفذين في الريف العراقي.كما كان لقانون الأحوال الشخصية دور مهم في إشاعة الروح المدنية، من خلال حفظه حقوق الجميع، وبشكل خاص المرأة في ما يختص بعقود الزواج والطلاق وذلك من خلال إصدار قانون 188 لسنة 1959 الذي اخذ أفضل ما موجود في الفقهين السني والشيعي وصاغه في قانون يحفظ للمرأة كافة حقوقها ومحاولة تحريرها من براثن المجتمع الذكوري. وقد حاول البعض، ممن يريد تكريس النعرة الطائفية، بعد 2003 إلغاءه أو على الأقل الالتفاف عليه وتجميده ، ويعد هذا القانون الأكثر تقدما في منطقتنا العربية من حيث الحقوق التي منحها للمرأة ومساواتها مع الرجل، كما كان لضمان الحريات الشخصية، وصون الحقوق لكافة شرائح المجتمع العراقي رافداً آخر صب في ذات التوجه المدني. الأمر الذي جعل من تلك التشريعات والقوانين، دافعا قويا لبناء مجتمع مدني عصري متحضر، متطلع إلى التقدم والازدهار. ويمكن قياس ذلك من خلال ما أنتج في تلك الفترة القصيرة في مجالات الأدب والفن بشكل خاص، وباقي المجالات الاجتماعية. لا بل حتى فترة الستينات وما شهدته من ازدهار اجتماعي، كان بسبب تلك الفترة القصيرة المتمثلة بعمر ثورة 14 تموز الخالدة، حتى سطوة البعث المقبور على السلطة وتحويله الحياة المدنية إلى عسكرة منظمة، إضافة إلى اعتماده على العشائر بشكل كبير وخاصة بعض رؤساء وشيوخ العشائر من خلال تقديم الولاء والبيعة، بالمقابل إغراقهم بالمكافآت والمكارم كما كان يطلق عليها آنذاك. مع إشاعة روح الانتقام والنعرات العشائرية والقبلية والمذهبية، بالتالي غابت كل سمات التحضر والتمدن.وقد أصدرت الثورة قانون رقم 80 ،وقد حررت بموجبه 99% من الثروة النفطية العراقية من سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية, وقد تطورت وازدهرت الصناعة الوطنية, واستطاعت الثورة أن تنجز مصانع عملاقة شكلت البنى التحتية للصناعة في العراق. وأن تعالج مشكلة السكن فبنت مئات الأحياء السكنية ووزعتها على الفقراء من أبناء شعبنا في كل محافظات العراق ( ومدينة الثورة هي معلم وشاهد على هذا الإنجاز الكبير لثورة 14 تموز الخالدة)، لذلك فقد سميت هذه الثورة من قبل البعض بثورة الفقراء مع أنها كانت لكافة فئات وأبناء المجتمع.أما على الصعيد الخارجي فقد رفعت الثورة من مكانة العراق وجعلته مهابا إقليميا وعالميا ،حيث غيرت موازين السيطرة والنفوذ في الشرق الأوسط ونقلت العراق من مكون أساسي في مخطط التآمر على تطلع الشعوب نحو التحرر والوحدة إلى سند فعال لهذا التطلع ،وذلك بتبنيها سياسة عدم الانحياز، وإنهاء النفوذ البريطاني والأمريكي، وخروج العراق من حلف بغداد وإقامة علاقات متكافئة مع المعسكر الاشتراكي. هذه الإجراءات الثورية اعتبرت استفزازاً للدول الغربية والشركات النفطية الاحتكارية وخروجاً على المألوف وعن الطاعة من قبل دولة نامية، خاصة وأن العراق غني بثرواته ومؤثر بموقعه الإستراتيجي. ويمكن القول إن أبرز منجزات ثورة 14 تموز هو في مجال التربية والتعليم حيث انتشرت المدارس في القرى والأرياف وانتشرت الثقافة بشكل واسع في هذه الفترة لقبول جميع الطلبة في الكليات والمعاهد للتعليم العالي وافتتاح جامعات ومعاهد وكليات جديدة في مختلف المحافظات العراقية ،كما أن بناء المستشفيات والمستوصفات قد توسع بشكل مهم وتحسنت نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين .أما التغييرات في المجالات الاقتصادية والصناعية والتجارية فقد كانت تغييرات جوهرية مهمة من خلال التشريعات التي أسهمت في تنشيط هذه القطاعات وبناء أسس سليمة لها.أما الحكم بنجاح أو فشل ثورة 14 تموز في تحقيق أهدافها التي جاءت من أجلها يكون غير دقيق في أغلب الأحيان، فالثورة قامت بمجهودات جبارة في سبيل النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي في العراق، بصورة شكلت تميزاً كبيراً عن الأوضاع التي كانت سائدة قبل الثورة، فإذا قلنا أن الثورة قد نجحت في مهمتها فإن الواقع يثبت أن ذلك لم يكن بتلك الدقة لأن هناك أوضاعاً بقيت كما هي دون تغيير بسبب الانخراط في صراع المناصب والأطماع السياسية التي انجرّ إليها جمي
حـــــكــــومتـــــان في الميـــــــــــزان
نشر في: 26 يوليو, 2012: 03:56 م