عباس مزهر السلامي تساءلتُ في قراءة سابقة عمّا يريد المثقف من السياسي، والآن وأنا أقرأُ كتابا صدر مؤخراً عن إحدى العشائر العراقية، تطلّب الأمر مني أن أسأل بشكل معكوس، ماذا يريد السياسي من المثقف؟ لا شكَّ أن هدف الكتاب (الصادر بدعم باذخ) هو التعريف بتلك العشيرة ، والوقوف على تأريخها الممتد، وإدراج أماكن تواجدها، وانتشارها ضمن الخارطة الاجتماعية للعراق الواحد الموحّد،لستُ هنا بصدد ذكر العشيرة المُشار إليها لا بالسلب ،ولا بالإيجاب،
ولستُ إزاء قراءة تفصيلية للكتاب ، لكنني لابد من أن أنوّه، إلى أن الكتاب لا يعدّ بالتأكيد إضافة إبداعية لا لمؤلفه الشاعر، ولا للمكتبة العراقية، على الرغم من أن الكتاب قد ضمَّ بين جنباته فصلاً بآراء مجموعة من الأدباء! كانت تهدف تلك المجموعة لإضفاء صورة المنتدى، أو المجلس الأدبي على مضيف العشيرة ومواقف الأدباء(الشعراء منهم خاصة) لا يُؤخذ بها لكونها ببساطة مواقف شعراء! ( ولا يفلح الشاعر حيثُ أتى) أما البقية منهم فلا يعنيها العشيرة ولا مضيفها بقدر ما يعنيهم ما يجود به المضيف، لذا لم يفلح الجمع المؤمن من الأدباء بتعزيز هذا الكتاب،فقد نُقِلَ على ألسنة بعض المشايخ ،ورؤساء الأفخاذ، أن مؤلف الكتاب لم يوفق بالإلمام بكافة فروع شجرة العشيرة، خاصة وأن العشيرة تمتد جذورها بين مكونين رئيسيين، وضاربة أطنابها على امتداد خارطة العراق ، بدءاً بمحافظات المنطقة الغربية، مروراً ببغداد، ووصولاً إلى محافظات الجنوب العراقي، إذ أن هذا النوع من الكتب لا يمكن أن يضطلع بكتابته إلا من أُوتي حظا في معرفة الأنساب، وله دراية في علمي التاريخ، والاجتماع،كما أن الأجواء السياسية والاجتماعية، لا تسمح بما يمكّن الباحث/ الشاعر من أن يتمكن من الوصول إلى أبعد مضيف، والإيفاء بكل اشتراطات الواجب توفرها في مثل هكذا إصدار، فأنّى للشاعرالحالم الرقيق إذن من الخوض في تفاصيل جامدة،وفروع متشابكة،تعيدنا لعصر القبلية الأول ؟ ومتى كانت القبيلة هي الدرع الواقي من كل ما أصاب العرب من اختراقات انتهكت الأمة، وجعلت منها أمة مسحوقة لا تستحق حتى أن تكون في آخر الركب؟لماذا إذاً يتطوع الأديب للتثقيف، أوالترويج للقبيلة، والعمل بجهد لا يخلو من المحاباة على إعلاء شأنها، وكلنا يعرف أن لا دور للقبيلة في تاريخ العراق، سوى ذلك الدور الذي تحطّ منه السلطة في وقت تعافيها وسيطرتها المحكمة، و تبرّزه متى ما تداركتها الأزمات ، لتجعل من القبيلة أداة لها في تنفيذ سياساتها، ولابد لنا من القول إن لا فائدة تُذكر قد جناها العراقيون من القبيلة بدوريها الحاضر، أو المغيّب، وخير دليل قريب على ذلك ما تعرض لهُ العراق في عام 2003 ، وكيف سقط دور القبائل في حماية البلاد من الاحتلال الأمريكي، والحد من انتهاكاته وإيقاف سعيه الخفي والمعلن للتقسيم على أسس شتى.ولو عدت للسؤال الذي جعلت منه مدخلاً لمقالتي، لوجدت الإجابة واضحة وجلية،فسياسيو عراق اليوم ،هم قبليون في الأغلب،والسياسي/ القبلي لا يريد سوى إعادة الهيبة لقبيلته،والعمل على إبراز دورها لكونها السبب الوحيد في وجوده وحضوره، وارتقائه السياسي،وبما أنهُ قد اطمأن إليها كحاضنة له، وأمنت هي إليه ممثلاً لها في المحاصصة المناصبية،لذا نجد السياسي هذا يلجأ إلى شريحة أخرى ، يستمد منها مكانة مضافة غير تلك التي حظيَ بها، لإيمانه بأن مكانته التي استمدها من القبيلة لا تحقق له الهيبة الكاملة، مالم تُعمّد بمساندة يحسب أنها (واعية)،تضفي عليه وقار الأدب أو الرفعة،وليس سوى شريحة المثقفين( بما تضم من أدباء)، هي الكفيلة بتأطير صورته الجديدة، لأنها شريحة من السهل عليه اختراقها، واستمالتها لصفّه، فقلّما نجد أديباً في وسطنا الثقافي ، سيطر على لعابه من إغراءات السياسي،أو نجده وقد تحصن بإبداعه من مغبة السقوط في حبائله.فالسياسي/ القبلي، هو الرابح في العلاقة التي تجمعه والمثقف، على حساب كرامة الأخير ومهابته .فالمثقف لا يمكن أن يحظى بالمكانة التي ينشدها ما لم يسمح السياسي بمروره إليها، وبذلك تغدو مكانة المثقف، مكانة مكتسبة، بإمكان السياسي الإطاحة بها متى ما حاول المثقف أن يتنصل عما دَرجَ عليه بدءاً في نسج تلك العلاقة غير المتكافئة ما بينه والسياسي.ماذا لو اتخذت شريحة المثقفين مواقف غير تلك التي عُرِفَت بها، لتصحيح تلك العلاقة،وتغيير مسارها بما يحقق المكانة المستحقة للطرفين ؟ وفي سياق متصل هناك إصدارات لا تشكل بمجملها أية إضافة تُذكر، تُسخَّر لها الأموال الطائلة، ويُحْتفى بها أيّما احتفاء، وهناك بالمقابل إبداعات قُدِّرَ لها أنْ لا ترى النور ،إصدارات لاجدوى تُرتجى منها، تُطْبَع بآلاف النسخ، ويُعدّ لها حفلَ توقيع مهيباً،وإبداعات تُرْكَنْ ليأكلها الغُبار. هذا هو واقع الثقافة لا أحد بمقدوره أن يعيد للثقافة العراقية هيبتها، ويعيدها لتميّزها، ما لم يشرع المثقف باستعادة ذاته المهدورة، ويكفّ عن لهاثه المستمر خلف الوعود، هناك أدباء من مرتادي البيوتات والمضايف، منهم من يحضر مهللا بعطايا المضيف التي لا تتعدى قطعة موز، أو قنينة شراب غازية منتهية الصلاحية، أو ابتسامة محسوبة يُسبغها الشيخ منتشيا على زائريه ، ومنهم من
المثقف وعشيرته
نشر في: 26 يوليو, 2012: 03:56 م