عدنان حسين لم يزل الإرهابيون متمكنين ومقتدرين.. يمسكون بزمام الأمور ويحددون التوقيتات ويفرضون الأجندات .. هذه حقيقة لا يستطيع دحضها كل الكلام المعاد بتبجح مفضوح والمكرر بغرور أجوف من قبل المسؤولين الأمنيين وبعض كبار المسؤولين السياسيين في دولتنا.
المجزرة الدموية الجديدة التي امتدت ساحتها أمس من الموصل في الشمال الى الديوانية في الجنوب مروراً بصلاح الدين وكركوك وديالى والعاصمة بغداد، وكان عدد ضحاياها مئوياً هذه المرة أيضاً، تؤكد هذا الكلام وتثبت هذا الزعم. في سنوات سابقة كانت الحجة ان التخصيصات غير كافية وعديد المجندين في الأجهزة الأمنية غير مناسب، وان وجود القوات الأميركية عامل مساعد في إثارة العنف. فما الذريعة الآن، وقد تضاعفت التخصيصات وتكاثر عديد المجندين الذين انضم اليهم الآلاف من ضباط القوات المسلحة السابقة، فيما خلت البلاد من أية قوة أجنبية؟القضية الآن أكبر من مسألة تخصيصات وعديد مجندين ووجود قوات أميركية. ثمة خلل خطير وخرق كبير في النظام الأمني وفشل ذريع في المنظومة الأمنية وإدارتها. لا يجب أن نكابر بالقول خلاف ذلك، فثمن المكابرة جدّ باهظ .. إنه أرواح الناس وحياتهم وصحتهم واستقرارهم وممتلكاتهم ومستقبلهم، فخلال ساعات قليلة قُتل أمس في سلسلة التفجيرات والهجمات 75 شخصاً وأصيب بجروح 257 آخرون في حصيلة غير نهائية حتى الظهر، فضلاً عن الخسائر المادية الجسيمة.هذا الخلل وهذا الخرق وهذا الفشل، وراؤها أسباب وخلفها مسؤولون، ولا بد من تشخيص الأسباب وتحديد المسؤوليات للتمكن من وضع الحلول الناجعة.لا ينبغي القبول بما يحدث أو التهوين منه. بل يتعيّن أن تُصبح مسألة الأمن واستمرار الفشل الأمني قضية رأي عام يتناولها الإعلام على مدار الساعة ويضعها مجلس النواب في مقدم جدول أعماله كل يوم.الحكومة ومجلس النواب مسؤولان مسؤولية مباشرة عن هذه القضية. انتخبهما الشعب لحل المشاكل والمعضلات التي تواجه حياته اليومية، وفي المقدم منها مشكلة الأمن. وإذا ما توانت الحكومة والبرلمان في أداء واجبهما على هذا الصعيد فكأنهما لم يفعلا أي شيء على كل صعيد. الأمن هو اهتمام الإنسان الأول وحاجته الرئيسة. كرست الحكومة جهوداً كبيرة لإعداد مشاريع قوانين تتجاوز على أحكام الدستور وتعتدي على الحريات العامة، وبالأخص حرية التفكير والتعبير (قانون حقوق الصحفيين ومشاريع قوانين المعلوماتية وهيئة الاتصالات وحرية التعبير والتنظيم)، وانفق البرلمان الوقت الطويل في النقاش غير المثمر لهذه القوانين، فيما لم يبادرا الى عقد جلسات للبحث في الشأن الأمني.نريد أن تجتمع الحكومة والبرلمان في جلسة مشتركة لمناقشة الأمر بمسؤولية.. نريد أن يتناسى المتصارعون على السلطة والنفوذ والمال في الحكومة والبرلمان أمور صراعاتهم لمرة واحدة من أجل الشعب الذي له الفضل عليهم في ما هم فيه من سلطة ونفوذ وما حصلوا عليه من مال، حلال أو حرام.نريد من اعضاء الحكومة والبرلمان صحوة ضمير قصيرة أمدها بأمد جلسة واحدة تخرج بعلاج ناجع للمعضلة الأمنية، يتطلب بالضرورة في ما يتطلب قطع دابر الفساد المالي والإداري والسياسي والأخلاقي الذي يعصف طولاً وعرضاً بأجهزة الدولة قاطبة والكثير من مسؤوليها بما فيها الأجهزة الأمنية، موطن الخلل والفشل أمنياً.
شناشيل:الأمن.. يا حكومة وبرلمان!
نشر في: 26 يوليو, 2012: 04:09 م