TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: 112 شهراً عزيزي الانتحاري

عالم آخر: 112 شهراً عزيزي الانتحاري

نشر في: 26 يوليو, 2012: 04:10 م

 سرمد الطائي يتشاغل المذياع بإحصاء عدد الانفجارات وحجم الضحايا، وأنا أحصي شهور الموت التي أعقبت صدام حسين. الاعتداءات المتكررة منذ مساء الأحد حتى ظهر الاثنين، جعلتني استرجع استفهامات تمنيت مرارا طرحها عليك، عزيزي الانتحاري. هل لديك خيال خصب لمجارات أسئلتنا أم انك مشغول بمزيد من العدم؟
لقد انتحرت وسط جموع الناس طيلة 112 شهرا، وطبعا فإنك تخطط لمزيد من الانتحار. لكن نشاطك العنفي الذي يقتلنا بوضوح، محاط بألف غموض وغموض. يبدو انك لا تمتلك خارطة طائفية محددة انت الذي تتنقل بين كل الأقوام من الموصل وتكريت حتى النجف والديوانية. لكن في حوزتي استفهامات كثيرة كما تعلم.منذ 112 شهرا وأنت تمارس القتل، لم تبق بيتا يخلو من ثكلى أو يتيم، ولم تترك قلبا إلا وجعلته يجرب الهلع. ظهرت عملياتك على كل الشاشات، وأذيعت بلغات الصين والهند وكل لهجات الاسكيمو، وبألسنة لم نسمع بها أنا وأنت، وضاقت الاراشيف بأخبارك، لكننا لم نكتشفك ولم نعثر عليك بعد.عزيزي الانتحاري، إنني ومعي الملايين، تعبنا من البكاء والشكوى، ورحنا نفكر بك منذ 112 شهرا، دون انقطاع. لم نفكر بآبائنا وأمهاتنا قدر ما حدقنا في حقيقتك بلا جدوى. لا أحد اكتشفك طوال هذه المدة، وكل ما شاهدناه من اعترافات وأدلة لم يكن مقنعا. انك سر، بل لغز معجون بأحجية عتيقة، لم يفض خاتمه احد.بودي ان ألتقيك يوما، لعل لديك مطالب سهلة التنفيذ لا تستحق كل هستيريا العنف هذه. ما من طريقة كي نتفاوض معك نحن الشعب بعد أن فشلت الحكومة في فتح قناة تواصل مع رؤسائك؟ اقترح عليك ان تترك الزعماء وشأنهم فهم يتاجرون بنا ولا يهمهم كم منا نحن الشعب، أو منكم معشر الانتحاريين، سيموت. نحن في الغالب لا نحب قادتنا، فهل تحب أنت قادتك في جماعات العنف؟ أليسوا فاسدين مثل قادتنا ويستأثرون بالغنائم والمكاسب؟ هل لديكم في تنظيمكم انتخابات مليئة بالصفقات المريبة؟ هل لدى زعيمكم بطانة كالتي لدى زعيمنا؟ هل لديكم سلطان يستأثر بالقرارات الكبرى؟انا متأكد انك تحتاج الديمقراطية وتتمنى حرية التعبير، اذ ان لديك مؤاخذات كثيرة على رئيسك في العمل الانتحاري، شبيهة بملاحظاتنا على قادة الدولة. ألم تعترض عليهم يوما كما اعترضنا؟ أم انك مللت من الاعتراض كما مللنا نحن الذين نتظاهر ونتعرض للقمع دون جدوى؟اننا ننهض من فراشنا متثاقلين كي نتابع اعمالنا المختلفة بكسل ودون اتقان، بينما انت ممن "يستفيقون قبل الفجر ويوقظون الجبال من نومها" على حد تعبير شاعر آسيوي كان يصف كدح الفلاحين. انك تؤدي عملك بكل هذا الإتقان، فمن أين لك كل هذا العزم؟ ألم يصبك الملل من قتل أولاد حواء؟ أليست هناك طريقة أخرى لتزجية وقتك سوى صبغ شوارعنا بدماء الحمالين وعمال البناء والناس العاديين؟قل لي: ألازلت تحصي ضحاياك بعد كل هذه السنين، أم أن الحسبة ضاعت عليك، كما ضاعت على الحكومة وعلينا نحن العاجزين عن إحصاء موتانا؟ وعلى ذكر الحكومة، فهل تريد أن تثبت لنا عبر العنف، إن الحكومة فاشلة؟ هل يحتاج فشل ساستنا إلى دليل إضافي كي تكرر انت قتلنا بهذه الطريقة؟ ما غايتك أذن، وماذا ربحت من كل الصولات والغزوات؟وعلى ذكر الحكومة ايضا، قل لنا كيف تنجح في عبور 20 ألف سيطرة تمتد على طول البلاد وعرضها، دون أن يكتشفك احد؟ هل تقرأ "آية الكرسي" مثلا، ام انها تعويذة قديمة لم تعد تعمل، ام انك تمر عبر الطريق العسكري "في اي بي" دون ان يدقق احد عجلتك؟عزيزي الانتحاري، علي ان اقول لك ان ملايين العراقيين طرحوا هذه الاسئلة دون ان يحصلوا على اجابة. قل لي: هل تنوي ان تظل خلال 112 شهرا مقبلة، على نفس الوتيرة من المثابرة والعمل المتقن في تفخيخنا؟ ما شكل النهاية التي تتخيلها لقصة التفخيخ المتواصل، ام انك حائر مثلنا، بالنهاية ذاتها، وبالأسئلة ذاتها ايضا؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram