احمد المهنا قد يموت المرء وهو لم يمارس في حياته تمرينا واحدا من تمارين التأمل الذاتي. وهو ما يعني انه لم يقطع خطوات كثيرة في طريق "الوعي الذاتي": أي مواجهة المرء لنفسه، بهدف فهمها، واستيعابها، ومن ثم جعل هذا الفهم والاستيعاب رقيبا وحسيبا على كل تأمل أو محاولة فهم أو نقد للآخر.
إن من المشكوك فيه أن تعرف الناس وتجهل نفسك. وجمع المعرفتين قد لا يكون رزقا طيبا، لأنه يصعِّب العمل، ويحد النشاط، ويرفع الضغط، ويقمع الأهواء، ويشدد المسؤولية. وكل من هذه الأفعال المضارعة يدخلك في مصارعة بين جهات متعارضة، أو بين "الرأي والرأي الآخر" حسب شعار هذا الزمان. يعني عملية تشبه الممارسة القضائية، الجامعة للإدعاءات والمحاماة والمقاضاة، ولكنها مصارعة تجري داخل النفس، ويؤدي أدوارها ويتدمى ويتكسر بها صاحب النفس.ويبدو أن ذلك يحدث للمرء عندما تبلغ "الذات" أو "النفسية" درجة من النضج، تلزم صاحبها بالشعور بها، وتلحف عليه بطلب التأمل فيها، والتجول في تضاريسها، لتكوين خبرة ومعرفة فيها. وهذا لا يحدث مع الجميع. صحيح ان كل امرىء يولد مع نفس ولكن النفس لا تعيش في كل امرىء. فلعقل كل انسان عينان، احداهما ترى الآخر، والثانية ترى الذات. الأولى لتكوين نظرة أو رؤية عن الناس. والأخرى لتكوين نظرة أو رؤية عن الذات. ولكن بعضهم يكتفي باستخدام عين واحدة،هي تلك التي تشتغل على الآخر دون الذات. وهذا هو البعض الضامر النفس أو الضامر الوعي.هل تنصر أخاك ظالما؟ هل تقف مع ابن عمك على الغريب لأنه غريب؟ هل تشعر بأنك تفهم الناس ببساطة؟ هل محبة نظيرك في الدين أسهل عليك من محبة نظيرك في الخلق؟ هل تسخر من الآخرين ولا تفعل مع نفسك؟ هل أنت راض عن نفسك ساخط على الناس؟ هل يطربك الثناء ويغضبك الانتقاد؟ هل تستسهل الحكم على الآخر؟اذا كان ردك أو ردي على هذه الأسئلة بالإيجاب فأغلب الظن انك او اني من الفريق الضامر الوعي. وقد لا تكون انت أو لا أكون أنا السبب. فعلماء الاجتماع يقولون أن الوعي الناتج عن التأمل الذاتي وليد مجتمع حديث مركب تركيبا أعقد من مجتمعات "القبيلة والغنيمة والعقيدة". فالأولى تغلب عليها عقول فردية واعية لذاتها. بينما تسود الثانية، القريبة منا، عقليات جماعية تمرد النفس.النفوس اذن غالبا ما تقوى أو تضمر حسب التقدم والتأخر. والاستثناءات واردة لأسباب بينها الصدمات الخاضَّة والمهيِّجة للنفوس أو للوعي. الى الآن لا مشكلة. ولكن لنضع "ضامر النفس" على سدة الرئاسة. رئيس جمهورية يعني في مجتمع "قبيلة وعقيدة وغنيمة". ولنتصوّر هذا الرئيس مغمورا بالمجد والسعادة منذ حَكَمَ، أو منذ ولد الى أن بُعث رئيسا، شأن بشار مثلا. هنا تقع المأساة. فالرئيس اعتاد رؤية مَنْ حوله مدّاحين ومهرجين شبه السعادين. وتمر السنون فاذا بالرئيس يفاجأ بالقرود وقد تحولوا الى ثائرين يسمع منهم لعلعة الرصاص. الدور يتبدل جذريا :الآلهة تتحول الى طريدة. فهل ستظل نفسه مطمورة تحت الدفاع والهجوم، كما كانت مدفونة تحت المجد الباطل، أم تبعث فيها الحياة، وتشهد نوعا من "عودة الوعي"، تحت هول الصدمة؟لن نعرف. كما لم نعرف أحوال "نفوس" نظرائه في منعطف "الربيع العربي".
أحاديث شفوية :نفوس مطمورة
نشر في: 26 يوليو, 2012: 04:20 م