احمد المهنا لايزال الإعتقاد السائد ان ما قيل قبيل الغزو الأميركي للعراق عن قبول صدام حسين بالتنحي عن الحكم هو حديث خرافة. لكن الإمارات أصرت في حينه على صحة الحديث. ويوافقها على ذلك عبد الرحمن الراشد، في مقالة أخيرة له في "الشرق الأوسط"، حيث يقول:" للتاريخ، وافق صدام على التخلي عن الحكم وتجنيب العراق الحرب بوساطة مع القيادة الإماراتية".
منذ تشرين الأول (اكتوبر) 2002، كان واضحا للكثير من دوائر السياسة والدبلوماسية والصحافة في العالم أن الولايات المتحدة اتخذت قرارا بغزو العراق للقضاء على صدام. الرئيس الاماراتي الشيخ زايد، رحمه الله، توصل في ذلك الوقت الى "مبادرة"عرفت باسمه، حصل بموجبها على قبول صدام بخروج آمن له ولأسرته من العراق الى الإمارات، دون ملاحقة قضائية، شريطة موافقة الجامعة العربية.انعقدت القمة العربية في شرم الشيخ قبيل الغزو، وعرضت الامارات عليها الموافقة العراقية، والأميركية أيضا، على مبادرتها المفاجئة. ولكن الأمين العام للجامعة العربية يومذاك، عمرو موسى، رفض ادراجها على جدول أعمال القمة. انصب اعتراضه على "الاسلوب". برأيه ان المبادرة تستوجب مناقشات واعدادات، ومداولات سرية بين الرؤساء، سابقة لانعقاد القمة. والاماراتيون يردون بأنهم قد يكونون أخطأوا في الاسلوب، تحت ضغط الوقت، ولكن الأهم من الاسلوب هو المضمون. فهل يعقل ان تتقدم اجراءات الشكل على المضمون اذا كان الهدف هو تجنب الحرب؟اثر انتهاء أعمال القمة مباشرة قال الشيخ عبدالله بن زايد: لقد قضت القمة العربية والجامعة العربية على فرصة النجاة الأخيرة والوحيدة للعراق. لاحقا، بعد الحرب، وبعد اشادة بفكرة الشيخ زايد "الصائبة"، قال مبارك لقناة "العربية":"بس يعني هل بعد صدام حسين ميمشي حيسيبوهم؟ دا بقى علامة استفهام"! كلام مبارك هذا يدل على أن أحدا لم يأخذ المبادرة على محمل الجد عدا أصحابها.الوفد العراقي الى القمة ذاتها هاجم المبادرة، بحجة أن صدام لا يمكن أن يستسلم، فلم يكن لديه علم بموافقة صدام السرية عليها، والتي نقلها "مبعوثه وسكرتيره الشخصي عبد حمود" كما يقول الراشد، ويضيف ان "صدام في بغداد صار في موقف محرج واخذته العزة، فتراجع عن الاتفاق وكان ما كان".ان كل ذلك يبدو حقيقيا. ولعل أكثر ما يدعو الى الغضب في هذه الرواية هو ان "اللحظة المسؤولة" الأهم والأبرز في حياة مغامر أجهضت بموقف عربي لامسؤول. ما سهَّل على صدام العودة الى ملعبه المعتاد، العابث، اللامسؤول، واللامبالي بالعواقب ولو كان مصدرها قوى قادرة على زلزلة العالم.ووسط ذلك المناخ العربي العام اللامسؤول، اللامسؤول بدرجة قاهرة للأمل، ظهر صاحب المبادرة، المرحوم الشيخ زايد، متفردا بالحكمة. كان رجلا مدهشا. كان مثلا حيا على نور الفطرة السليمة. لم يتلق تعليمه في أرقى جامعات العالم. ولم يعرف لغة أجنبية واحدة. لكنه تمتع بحكمة حصَّنته من الجوقة المأساوية، وجعلت بلاده مكانا جاذبا لأرقى جامعات ولغات العالم.أما صاحبنا فيبدو أنه كان صادقا وكاذبا معا في موافقته على التنحي عن السلطة. كانت فكرة ترك للآخرين قبولها أو رفضها. تنميتها أو وأدها. وكانت من الأصل فكرة غيره. وكل المصائر، من شخصه وأسرته الى سيادة العراق ومستقبله، كانت قد أصبحت ملك غيره، خرجت من يده ومن يد أبناء البلاد ولم تعد!
أحاديث شفوية :صدام قَبِل التنحي؟
نشر في: 26 يوليو, 2012: 04:55 م