ترجمة عباس المفرجيأرادت والدة غاريث جونز له أن يحظى بوظيفة لطيفة آمنة في الحقل الأكاديمي. ((لماذا))، كتب لها، متحيّرا، ((هل تريدين لابن من أبنائك أن لا تكون له شجاعة؟))."ستوريفيل: هتلر، ستالين ومستر جونز" (قناة بي بي سي 4) كان فيلما محتشدا، قويا ومؤثرا (مفسد فقط بصوت التعليق الدراماتيكي على نحو غريب والذي يثابر طوال الفيلم)، يجمع، مع بعض، أجزاء من قصة استثنائية ومنسية تقريبا لفتى استثنائي ومنسي تقريبا من باري.
بعد موته أصبح شهيرا في بريطانيا بالرجل ((الذي عرف أكثر مما ينبغي))، الصحفي الشاب الجريء الذي طاف من قرية بائسة إلى أخرى كاشفا الحقيقة المرعبة عن مجاعة قتلت الملايين. كان جونز تلميذا لامعا، تخرج عام 1926 من جامعة ويلز بالمرتبة الأولى في اللغة الفرنسية، ثم من جامعة كامبردج باللغات الفرنسية، الألمانية والروسية. في بداية 1930، بدأ العمل مستشارا في وزارة الخارجية، وفي صيف تلك السنة، وبدافع الإعجاب بستالين، قام بأول رحلة قصيرة إلى روسيا وألقى نظرة خاطفة على الخطة الخمسية للدكتاتور. حين عاد إلى انكلترا دُعي إلى واحدة من حفلات ديفيد لويد جورج [زعيم حزب الأحرار ورئيس الوزراء السابق] في بيته الريفي في تشرت، ساري، وأخبره بكل ما كان يعرف.عاجلا، صار في صميم مؤسسة الصحافة السياسية، وبعد رحلة أخرى إلى روسيا، صارت معلوماته السياسية وتقاريره إلى لويد جورج تصّب في خانة الجاسوسية.غدا جونز أكثر فأكثر واقعا في شرك السياسة – والسياسة الواقعية – عندما ذهب إلى ألمانيا في 1933، ضمن وفد مساعدي لويد جورج. التقى غوبلز، وهتلر ( "كان يبدو أشبه ببقال من الطبقة الوسطى... تفاجأت بابتسامته")، معجبا في ما بعد بما فعله لبلده. رغم إدراكه بالتهديدات التي تشكلها النازية، فإن اهتمامه كان في محل آخر – حول الإشاعات التي وصلته عما أصبح معروفا بالمجاعة الكبرى التي انتشرت في روسيا.عاد جونز إلى روسيا، وتحدث مع الناس الذين كان من المفروض أن لا يتحدث إليهم، وقاسم طعامه مع عامل، قال له :(( أنا الآن آكل معك شيئا مدهشا جدا، بإمكاني الآن أن أموت.)) دعي إلى مؤتمر صحفي في برلين، مستغلا منصبه كأحد مساعدي لويد جورج، ليروي للصحفيين قصته. لا احد - على الأقل كل اليسار - كان يرغب في أن يعرف. باستثناء هتلر، الذي بالكاد ساعد في قضيته. وهكذا أصبح جونز برسونا نون غراتا في كل مكان من تشرت حتى الشيشان.في عام 1935، حانت له فرصة للبدء من جديد مسيرته المهنية، حين تنامى النزاع بين اليابانيين، الصينيين والسوفييت حول الشرق، فذهب إلى هناك. (( يا له من حظ سعيد! )) كتب إلى أمه عندما وصل إلى منشوريا ((ثمة أحداث عظيمة هنا!)) بعد ذلك اختطفته عصابة وقتل بعد ثلاثة أسابيع – في محاولة إنقاذ خرقاء، كما زعمت وزارة الخارجية، لكن الملفات التي أُطلقت في حينها أوحت بأن لليابانيين أو السوفييت ضلعا في مقتله، وغطى البريطانيون على الموضوع لتجنب التأثير العائق المفيد الذي يملكه الجانبان على بعض في الصين. توفي جونز قبل يوم من بلوغ مولده الثلاثين.وذلك، يا أصدقائي، هو السبب الذي يجعل الأمهات يردن أن تحصلوا على وظائف آمنة في الحقل الأكاديمي. وهو أيضا، بالمصادفة، السبب الذي يجعلني أنا، التي أجلس طوال اليوم أشاهد التلفزيون وأطبع على اللاب توب، أن لا أدعو نفسي صحفية.عن صحيفة الغارديان
من روسيا ستالين إلى ألمانيا هتلر: الفتى الشجاع من باري
نشر في: 26 يوليو, 2012: 04:58 م