فالح الحمراني الجدل الساخن الذي انفجر فجأة من على منبر "المنتدى الاقتصادي الدولي" الذي جرت أعماله مؤخراً في العاصمة التاريخية الروسية "بطرسبورغ" بين "الخبير الأول" بشؤون الشرق الأوسط كما يلقبونه بروسيا يفجيني بريماكوف ووزير الخارجية الأمريكي
صاحب سيناريوهات صناعة السلام الانفرادي في الشرق الأوسط هنري كيسنجر، عكس مدى عمق هوة الخلافات في رؤية الدوائر السياسية الروسية والأمريكية لشؤون الشرق الأوسط وسبل معالجتها، وإن كل طرف ينظر بعدم ثقة لنوايا الآخر الرامية أساساً لترسيخ مواقعه في المنطقة الإستراتيجية التي تحولت على مدى عقود إلى ميدان لتنازع المصالح والصراع لبسط النفوذ.وربما كان بريماكوف، الذي كان رئيسا للوزراء ووزيرا للخارجية ومديرا للمخابرات الخارجية وصحفيا ومستشرقا،قد عبر عن رؤية جماعية للدوائر السياسية بروسيا حينما غمز بمحدثه كيسنجر من على منبر المنتدى قائلا بصراحة إن " الأصدقاء الأمريكان خدعونا في التعامل مع ليبيا" مذكرا محدثه بقرار مجلس الأمن الذي استخدمه، وفقا للقراءة الروسية ،الغرب لضرب ليبيا وتصفية العقيد معمر القذافي. وأضاف بلهجة تنطوي على إشارات متعددة المعاني" إننا نتعلم من التجارب، ولم يعد بمقدور احد بعد الآن خداعنا".وحقا لم يضف بريماكوف، الذي يعرف انه مستشار للقيادة الروسية بشؤون المنطقة، شيئا على رؤيته السياسية للتطورات في الساحة الإقليمية والدولية التي ترسخت بوضوح منذ الحرب على يوغسلافيا والإطاحة بحليف موسكو سلوبدان ميلوسيفتش،حينما أعرب عن رأيه لكيسنجر بان الولايات المتحدة على خلاف روسيا لم تتعض بالدروس من التطورات بالعراق وليبيا حيث " تعززت مواقع القاعدة " واستعرت العداوات القبلية والطائفية، ووقوف البلدين على شفرة الانهيار.وعلى حد قناعة بريماكوف من أن هذا سيجري حتما في سوريا حال ما سيرحل الرئيس بشار الأسد!.وذهب إلى أن مجموعة المنشق البلشفي ليف تروتسكي كانت قد دعت في عشرينات القرن الماضي إلى تصدير الثورة البلشفية للدول الأجنبية لاستمرارها، وأضاف"والآن تعيد الولايات المتحدة نفس الخطأ، حينما تريد تصدير الديمقراطية".وكان بريماكوف قد أعاد قبل فترة طبع كتابه "الشرق الأوسط :على المسرح وخلف الكواليس" الذي أجمل فيه رؤيته قضايا المنطقة الراهنة،مضيفا له فصولا تعكس رؤيته التطورات العاصفة التي شهدتها المنطقة والتي أطلق عليها "الربيع العربي" بعد صدور الكتاب ونفاده بسرعة من الأسواق.وشملت الطبعة الأولى لكتاب " الشرق الأوسط" النصف الثاني للقرن العشرين. أي مرحلة إقامة الدول ذات السيادة في العالم العربي، حين ظهر زعماء يلوحون بالشعار القومي وساعدت الحرب الباردة الدائرة حينها والنزاع العربي /الإسرائيلي على ترسيخ مواقعهم.ويميز بريماكوف ثلاثة مؤشرات المرحلة التي من بينها أنه ورغم التقارب مع أحد أقطاب الحرب الباردة، لم تتورط إحدى الدول العربية وإسرائيل في حرب إقليمية. ولم ينشأ هذا الوضع باتفاق أمريكي سوفياتي وإنما عرقل كل من جانبه مثل هذا التطور، وعملا كل ما في وسعهما من اجل أن لا ينجرا لمواجهة عسكرية مسلحة. ويخلص بريماكوف إلى أن الحرب الباردة وفرت للدول العربية الحصول على مختلف أشكال المنافع بما في ذلك الاقتصادية.ويشير لاحقا إلى أن الولايات المتحدة نجحت بتنفيذ إجراءات مؤقتة كانت كما يرى، ضرورية لتحريك التسوية العربية/ الإسرائيلية مثل عقد اتفاقية السلام المصرية/ الإسرائيلية والأردنية /الإسرائيلية والتقارب المنقطع، بين فلسطين وإسرائيل.وبالتالي يرصد المؤلف تحول الأنظمة التي وصفت بالثورية الوطنية في بلدان الشرق الأوسط إلى أنظمة شمولية سعت لترسيخ سلطاتها بوسائل القوة, وان طابع الأنظمة العربية تلك لقيت ارتياح الولايات المتحدة وروسيا التي أصبحت وريثة الاتحاد السوفياتي السابق. وقامت هناك برأيه مساحة تطابقت فيها مصالح الدولتين، لأن تلك الأنظمة وقفت ضد التطرف الديني وحاربت الإرهاب ورفضت إفساح المجال لتتواجد على أراضيها "القاعدة" وغيرها من المنظمات التي تتبنى الإرهاب. وحسب تقييم بريماكوف فإن الأنظمة الشمولية هيأت ظروفا للتطوير لإقامة العلاقات الاقتصادية، مما حظي بأهمية بالنسبة للولايات المتحدة وروسيا. ويؤكد بريماكوف في كتابه الجديد على ظهور عنصر جديد أثر على الوضع في المنطقة في بداية القرن الحادي والعشرين. وعلى حد قوله فإن الولايات المتحدة وبتأثير المحافظين الجدد انتهجت بعد انتهاء "الحرب الباردة" سياسة إقامة نظام القطب الواحد في العالم الذي كان فاتحة مرحلة " التدخل".وأصبحت العملية العسكرية الأمريكية في العراق نموذجا تقليديا لهذا التوجه.وكانت احدى نتائج هذه العملية تحول إيران إلى دولة إقليمية نافذة. والآخر تسعير الخلافات الطائفية، وظهور اصطفافات إقليمية جديدة في المنطقة. إن الربيع العربي، على وفق ما يري بريماكوف، الذي هبت عواصفة على المنطقة في بداية عام 2012 وأسفر عن رحيل بعض الأنظمة، قد اتخذ أشكال
بريماكوف ورؤيته قضايا الشرق الأوسط
نشر في: 26 يوليو, 2012: 05:04 م