حازم مبيضين لا يحتاج أحد إلى التنجيم، أو الضرب بالرمل، لاكتشاف انقلاب الدكتور إياد علاوي على نفسه، في المواجهة التي كانت محتدمةً مع خصمه نوري المالكي، فقد أعلن الرجل ذلك بنفسه على الملأ حين قال، إنه لم يسمع بوجود أزمة سياسية في العراق، لأن هناك حكومة شراكة وطنية، وأن الأزمة تنحصر في نقص الطاقة الكهربائية والبطالة، لينسف بذلك تصريحاً كان أدلى به قبل يوم واحد، أكد فيه أن العراق يعيش أزمةً سياسيةً كبيرةً جداً، وبديهي أن يتم التساؤل عن أسباب تراجع الدكتور
علاوي عن برنامجه لإطاحة المالكي من موقعه، والتخندق مع قائمته البرلمانية "العراقية" في مربع المعارضة الأليفة، التي تتحدث عن نقص الخدمات، بديلاً عن النضال لتغيير السياسات.واقع الأمر أن أول رئيس للوزراء بعد سقوط نظام صدام حسين، وصل إلى مرحلة إحباط حقيقي، ابتدأت حين لم يتمكن من تشكيل الحكومة، رغم فوز قائمته بأعلى الأصوات في الانتخابات النيابية، وتواصلت مع تخلي شركائه في العملية السياسية عن تنفيذ التعهدات التي وردت بالاتفاقات المبرمة معهم، ومن بينها تشكيل مجلس الاستراتيجيات برئاسته، للتعويض عن رئاسة الوزراء، ومراقبته لأثر التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الداخلي لبلاده، وهو تدخل أفضى إلى عدم إمكانية التوصل إلى حلول للإستعصاءات السياسية، دون تفاهم الأطراف الخارجية المؤثرة في الساحة العراقية. الأكثر مرارةً في حلق الرجل أن الشركاء في قائمته، لم يعودوا يشعرون بأن هنالك أزمة شراكة، لأن كل واحد منهم حصل على ما يريد، ولأن عقد شركاء مشروع سحب الثقة انفرط، فالتيار الصدري، وكما كان متوقعاً رغم تأكيدات علاوي، نأى بنفسه عن هذا المشروع، والكرد توصلوا إلى قناعة بأن للمشروع تأثيرات سلبية على وضع الإقليم الداخلي، بعد أن رفض رئيس الجمهورية جلال طالباني وحزبه، الانخراط في هذا المشروع، وهكذا وجد علاوي نفسه وحيداً في مواجهة ديناصورات الحكم، الذين يسعون للقفز عن الحالة الراهنة، بتقديم ورقة إصلاح سياسي لمنع استجواب المالكي، في حين أن البنود التي تضمنتها ورقة الإصلاح، تحتاج إلى 70 عاما لمناقشتها، كما أكد علاوي بنفسه، وهو يدرك أهداف طرحها في هذا الوقت بالذات.يحتاج علاوي اليوم إلى التحضير للانتخابات المقبلة، إن كان راغباً بالاستمرار في نشاطه السياسي، وإذا كانت أهداف تشكيل قائمة العراقية ما زالت قابلة للطرح كمشروع انتخابي، فإن على الرجل القيام بدراسة مستفيضة وجادة عن الشركاء، بعد اكتشافه حقيقة التحالفات الهشة التي بناها داخل القائمة التي تزعمها، وكان نجاحها طموحا في الابتعاد عن المحاصصة الطائفية، التي تتسيد المشهد العراقي، والعودة إلى الهوية الوطنية الجامعة، بديلا عن الهويات الطائفية، واليوم وبعد اكتشافه المتأخر أن لا جدوى من استجواب المالكي، وأن كل ما ينجم عن ذلك لن يكون أكثر من انتكاسة شخصية، قد يهديها له شركاؤه في القائمة، لعدم رغبتهم في خوض مغامرة انتخابات مبكرة، قد تسحب مقاعدهم السلطوية من تحتهم، وتتركهم في كل واد يهيمون، بعد أدائهم البائس في المرحلة السابقة، وتفضيلهم الاحتفاظ بما كسبوه شخصياً، على البحث عن مكاسب لناخبيهم ومواطنيهم.لم يعد بمقدور الدكتور علاوي غير القبض على جمر المعارضة، حتى لو احترقت أصابعه.
في الحدث: علاوي.. القبض على جمر المعارضة
نشر في: 26 يوليو, 2012: 05:17 م