TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > من هناك :ماليزيا وإندونيسيا.. من الحرب الأيديولوجية إلى الحرب الثقافية

من هناك :ماليزيا وإندونيسيا.. من الحرب الأيديولوجية إلى الحرب الثقافية

نشر في: 17 أكتوبر, 2009: 04:44 م

د. عبدالله المدنيلا تقتصر الحروب والصراعات ما بين الأمم حول الحدود والأراضي والمياه فقط. ففي أحايين كثيرة تتعداها لتدور حول أشياء غير مادية من تلك المدرجة ضمن الفنون والتراث والأطباق الوطنية والألعاب الشعبية. حدث ذلك ما بين إسرائيل والعرب حينما نسبت الأولى إلى نفسها أطباقا أو رقصات أو أزياء شامية وفلسطينية.
وحدث الشيء ذاته ما بين الأمريكيين والإيطاليين حينما ادخل الأمريكان البيتزا والباستا الإيطاليتين ضمن مطبخهم التقليدي. وفي بريطانيا تكاد لا تخلو قائمة المطبخ الإنجليزي من أطباق هندية صرفة مثل البرياني والكاري. أما في الخليج فحدث ولا حرج. حيث ساهم التواصل الحضاري منذ أقدم الأزمنة والعصور ما بين الهنود وأهل الخليج في دخول العديد من الأطباق الهندية (مثل السمبوسة والبرياني والقيمة) إلى المطبخ الخليجي، بل وتأثرت أيضا الفنون والنقوش والأنغام الخليجية وأشكال الأثاث بمثيلاتها في الهند، ناهيك عن وجود عدد لا يحصى من المفردات ذات الجذور الهندية في اللهجة الخليجية الدارجة.على أنه في مختلف تلك الحالات لم تصل الأمور إلى حملات إعلامية ممنهجة أو حملات مضادة للادعاء بأحقية كل طرف في ما سلبه من الآخر، وإنما بقيت الأمور في دائرة التنافس الصامت.أما سبب تطرقنا اليوم للحديث عن هذا الموضوع، فهو ما يدور منذ بعض الوقت في كل من اندونيسيا وماليزيا من حرب إعلامية متبادلة في الصحف ومحطات التلفزة، وذلك على اثر قيام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي بإدراج فن "الباتيك" وتقنياته ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي الخاص بإندونيسيا، وتثبيت الأمر رسميا في الاجتماع الختامي للجنة الحفاظ على التراث غير المادي الذي انعقد في ابوظبي في أوائل الشهر الجاري، وقيام الرئيس الاندونيسي "سوسيلو بامبانغ يودويونو" بدعوة مواطنيه في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول إلى ارتداء ملابس الباتيك تعبيرا عن الفرح والزهو بهذا الانتصار (الذي جاء بعد انتصارين ثقافيين سابقين ونعني بهما قرار اليونيسكو في عام 2003 بإدراج فن ظلال العرائس التقليدي وفن الرقص المتموج بالخنجر ضمن لائحة التراث الاندونيسي غير المادي الواجب حفظه من الاندثار). علاوة على دعوة الرئيس يودويونو لرجال الأعمال الاندونيسيين إلى تكثيف جهودهم لزيادة صادرات البلاد من أقمشة الباتيك ولا سيما إلى الولايات المتحدة واستراليا ودول أوروبا حيث يوجد إقبال كبير عليها. والباتيك لمن لا يعرفه هو فن صباغة النسيج يدويا بواسطة أختام مصنوعة من الشمع وبنقوش مستوحاة من التراث الفني والتاريخي لآسيا، وهو لئن كان شائعا في مختلف أقطار جنوب شرق آسيا وتحديدا في ماليزيا وتايلاند وسنغافورة وبروناي، فان موطنه الأصلي هو إندونيسيا، حيث يعتبر الباتيك المصنوع في جزيرة جاوه هو الأغلى ثمنا والأكثر تميزا وجودة، وان كانت الهند تدعي أنها صاحبة الفن انطلاقا من الرسوم والنقوش المصاحبة لها، وكلها مستمدة من الأساطير الدينية الهندوسية والبوذية القديمة التي خرجت من الهند واكتسحت دول جنوب شرق آسيا.ورغم أن قرار اليونيسكو لا يعني منع الدول الأخرى من صناعة أقمشة الباتيك أو تداول فنونها، وإنما يهدف أساسا إلى حماية هذا الفن من الاندثار والمحافظة على تقنياته اليدوية التقليدية بعدما تدخلت المكائن الحديثة فيه، (خصوصا في الصين التي استحوذت في عام 2008 على 10 بالمئة من مبيعات سوق الباتيك الاندونيسي والمقدرة بنحو290 بليون روبية اندونيسية أو ما يعادل 31 مليون دولار أمريكي، وذلك بسبب سعر المنتج المنخفض قياسا بالباتيك المصنوع يدويا)، فإن الاندونيسيين اعتبروا الأمر انتصارا لهم على جيرانهم الماليزيين الذين بحسبهم لطالما نازعوهم الأحقية في ملكية أشياء كثيرة ابتداء من الأراضي في ولاية بورنيو، و حقول النفط في منطقة "أمبالاتا"، والمنتجعات كما في منطقتي سيبادان وليجيتان (خسرتهما اندونيسيا لصالح ماليزيا بعد أن قدمت الأخيرة أدلة على تعميرها والاستثمار فيها) وانتهاء بفنون الرقص الفلكلوري (مثل رقصة "بنديت" التي تمارس في جزيرة بالي للترحيب بالضيوف ورقصة "ريوغ برونوروغو" ذات الأصل الجاوي، ورقصة "راساسايانغ" المعروفة في إقليم الملوك، وهذه الرقصات الثلاث استخدمتها ماليزيا للترويج لنفسها سياحيا بحسب ما ظهر في برنامج تلفزيوني دعائي على شاشة قناة فوكس الأمريكية)، وآلة "أنغلونغ" الموسيقية المصنوعة من البامبو، وطبق "لاكسا" المكون من النودل والبهارات الحارة.أما ردة فعل كوالالامبور التي لم تسع لدى منظمة اليونيسكو إلى إدراج فن "الباتيك" باسمها رغم ادعائها بأنها شريكة فيه، فقد اتسمت بالهدوء حتى الآن. حيث وصف مسؤولوها ما قامت به جاكرتا بالأعمال غير المبررة، مستغربين من حساسية الاندونيسيين تجاه المسائل الثقافية ( وان أرجعوه إلى الحسد والغيرة من قدرة كوالالالمبور على توظيف التراث والفنون بصورة أفضل من جاكرتا في العملية التنموية مثلما تسعى إليه منظمة اليونيسكو) بل وصف هؤلاء ما قام به الاندونيسيون من تظاهرات فرح أمام السفارة الماليزية في جاكرتا بالعمل الاس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram