هاشم العقابيعندما كنت صغيرا كنت حقا احتار في تفسير سبب استهداف الهزات الارضة لبيوت الفقراء وتركها لبيوت الأغنياء. وكنت أتساءل، ايضا، عن سر اختيار الموت الأخيار وترك الأشرار يعيثون في الارض فسادا. لم اجد في تلك السن غير امي اسالها فتجيبني: انها ارادة ربك فاحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه. وفعلا كنت اطيع قولها وافعل ما تشير به علي.
وعندما كبرت واخترت المنفى لم تعد تشغلني الظواهر والكوارث الكونية، اينما حلت، مثلما تشغلني "طركاعة" البعث التي صبت على رأس العراق واهله. كان السؤال الملح هو: اي قدر هذا الذي جاء بالبعث للعراق ليحوله الى حاضنة للفاشية والظلام والفقر والحروب والخراب؟ حتى تلك اللحظة ما كنت الوم من يصفق للبعث او يعتنقه، عن قناعة او بدونها، مادام يعيش تحت ظل سلطته. لومي له في تلك الايام يعني اني ادعوه للانتحار وهذا ليس من حقي. كنت احتار فقط في فهم موقف الذي اتيحت له فرصة للخلاص والعيش خارج العراق، ولا يفكر بالعودة له مادام البعث يحكمه، لكنه يمدح البعث ويمجده ويعتبره نعمة. اعداد يصعب حصرها من العراقيين يطلبون اللجوء السياسي في بلدان الغرب بسبب ظلم البعث. لكنهم بعدما يحصلون على اللجوء نجدهم في السر وفي العلن، احيانا، مع البعث وصدام.وان كان اغلبهم ظل يخفي عشقه الباطني لصدام لكنهم يوم لاحت لوائح سقوطه صاروا يبكونه ويدافعون عنه علنا. وهذه هي التي يصعب علي تفسيرها اكثر من اي ظاهرة كونية اخرى. اشد ما يشل تفكيري هو ان اجد ضحايا صدام يقفون ضد سقوطه. كان يمكن لي ان اتفهم موقفهم لو كانوا منتفعين من صدام. الطامة انهم من ضحاياه وفيهم شيوعيون ويساريون وإسلاميون. لا يمكن ان انسى وجه كاتبة عراقية كشفت، من خلال ما كانت تكتبه، عن جرائم اخلاقية، يصعب ان يتخيلها اي انسان سوي، ارتبكها نظام صدام بحقها شخصيا. لكن الغريب بالامر انها ذاتها خرجت على احدى القنوات الانجليزية تهاجم اعلاميا بريطانيا وتتهمه "بالعمالة"! لانه كان يحث بريطانيا على التدخل لتخليص العراقيين من مذابح صدام. اتذكر اني وبسسب حيرتي مما كانت تقوله لم اجد ما ارد به حين شاهدتها غير ان اقول: هنيالك يا صدام.وولى صدام ومات البعث الذي كان موته يعني عودة الحياة للعراقيين من جديد. مات ولم تبق غير رائحة البعث السوري تجاورنا. وها هي الاحداث تبشر بموته هناك. ومثلما دافع ضحايا صدام عنه يوم قربت لحظة سقوطه نجد بيننا، نحن العراقيين، من يدافع عن بشار ويسعى لتقطير الماء في فمه المحتضر. انني، ورغم كبر سني، اشعر بحاجة ماسة لأمي كي تفسر لي كيف ان من عاشوا ظلم البعث يبذلون كل ما في وسعهم لانقاذه من الموت؟ وان كان البعض يرى ان الاسباب طائفية فاني، بتقديري الشخصي، لا اراها كذلك. ولان امي قد ماتت ولن تعود، لم يبق لدي غير امل ضئيل في ان اجد عضوا في حزب الدعوة، ذكرا او انثى، يخبرني عن السر الحقيقي الذي جعلهم، وهم من ضحايا البعث، يستقتلون من اجل ان يظل البعث "صامدا".
سلاما ياعراق : احتضار البعث
نشر في: 27 يوليو, 2012: 06:03 م