عامر القيسياستبعدت اليونان اللاعبة فاولا باباتشريستو التي كانت على وشك تمثيل بلادها في مسابقة العدوفي أولبياد لندن 2012 بسبب نكتة عنصرية. والقضية هي أن اللاعبة فاولا كتبت عبر حسابها الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي تويتر في الـ23 يوليو/تموز الجاري "كم الأفارقة الموجودين في اليونان كبير جدا،
لكن على الأقل الذباب القادم من غرب النيل سيتناول طعاما محليا!".وأثار تعليق فاولا غضبا كبيرا، حتى اعتذرت بعدها بدقائق قائلة"أعتذر إذا كنت قد أهنت أحدا".لكن الاعتذار لم يكن كافيا حتى تتفادى قرار الاتحاد اليوناني بالاستبعاد.هذا نموذج للسلوك الحضاري في التعامل لكل ما يسيء للآخرين والتعرض لهم، دينيا وجنسيا وعرقا ولونا، وبكل بساطة جرى التعامل مع الأمر باعتباره خرقا فاضحا للأخلاقية السائدة في تقبل الآخر والتعامل معه على أسس إنسانية بعيدة عن أي حسابات ضيقة أخرى، ولم يحتج الأمر إلى قضايا وتصالحات وتوافقات وجلجلة إعلامية، ولم تتدخل الحكومة اليونانية في حرمان لاعبة صرفت عليها الأموال لتمثيل بلادها في محفل دولي أولمبي يدعو في أساس تكوينه إلى التقارب بين الشعوب وإشاعة أخلاقية المحبة ووحدانية الجنس البشري دون النظر إلى التفصيلات التي تضع وتصنع الفوارق بين أبناء الجنس البشري.اللاعبة فاولا أدركت الخطأ الذي ارتكبته بعد دقائق وقدمت اعتذارها لكن العقوبة مضت في حقها إذ لا تساهل مع الأفكار العنصرية وتفرقة الجنس البشري على أساس اللون مثلا.نموذج حضاري نتمنى أن يكون في جوهره برنامجا للحكومة العراقية وللأحزاب السياسية التي تقوم على أسس غير أسس وحدانية الجنس البشري ولقياداتنا السياسية التي تضخ في إعلامنا يوميا آلاف الخطب المجلجلة التي تفوح منها رائحة الطائفية والعنصرية والأفكار الشوفينية والفرقة الدينية والمذهبية والتجاوزات بالجملة على حقوق الإنسان التي يتبناها للأسف برلمانيون ومسؤولون تحت يافطة الحقيقة المطلقة التي يدّعون امتلاكها فيما يقف الآخرون في الصف الثاني للتصفيق لكل التهريج الذي يمارسه الصف الأول.جولة سريعة على معطيات حياتنا السياسية والاجتماعية بكل تفاصيلها تبين لنا دون لبس ولا تبريرات الفارق الشاسع، ليس فقط بين معطياتنا ومعطياتهم، بل في الكيفية الحضارية التي يتعاملون بها مع أي خرق لخطوطهم الحمر في التمييز بين أولاد آدم وحواء عندما لم يكن حينها لا دين ولا مذهب ولا لون ولا عشائر ولا أحزاب ولا طوائف ولا عمائم مختلفة الألوان تفرق الناس على أساس السيد والعبد أو التمايز الديني فتصبح الجنة من أملاك فئة والجحيم من نصيب الجهات الأخرى!!أكثر نوابنا ومسؤولينا الأعزاء جدا على قلوبنا نتمنى عليهم أن يجهدوا طاقاتهم " الخلاقة" في تنظيم حياة شعبنا من خلال تشريع قوانين المساواة المطلقة في الحضور الإنساني لكل العراقيين بكل تفاصيل الحياة وحماية حقوق الإنسان، بدلا من أن يصدعوا رؤوسهم ورؤوسنا معا في محاولات ترويج لقوانين تبيح في بعض تفسيراتها قتل الآخرين وليس الاعتداء على حقوقهم الإنسانية فقط مخالفين حتى الدستور الذي كتبوه بأنفسهم..ولن نقدم لهم دليلا أوضح وأكثر شفافية من المثال اليوناني.. فهل من مستفيد؟!
كتابة على الحيطان: بيننا وبينهم.. نموذج حضاريّ
نشر في: 27 يوليو, 2012: 06:09 م