TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن:"فتوى" قناة العراقية

العمود الثامن:"فتوى" قناة العراقية

نشر في: 27 يوليو, 2012: 09:56 م

 علي حسين دون التفتيش في نيّات الزملاء في هيئة أمناء شبكة الإعلام، ومع الاحترام الكامل لشخوصهم، فإن ما قامت به قناة العراقية بشأن حذف عدد من المشاهد في مسلسل عادل إمام فرقة ناجي عطا الله، يبدو أشبه بنكتة قديمة لا تضحك لكنها تثير الأسى، قد يبرر المسؤولون عن القناة أسباب الحذف بان هذه المشاهد لا تتلاءم مع طبيعة المجتمع العراقي حسب ظنهم، لكن المشكلة في أن القائمين على القناة ربما يجهلون أن المسلسل يعرض في أكثر من قناة عربية، وان العراقيين
غادروا عصر قناة "9"، لكن يبدو أن قناة العراقية  تعتقد إن عادل إمام اخطأ حين وضع مشاهد للحانة، وانه يعاني من تشويش فكري حين اعتقد أنه يمكن أن تقوم علاقات حب وغرام بين أبطال المسلسل، ولهذا يجب إسداء النصيحة له، ومساعدته على تغيير قناعاته "الفاسدة" بان يطلق الرقيب العنان لمقصه السحري مهمة إصلاح ما أفسده صناع المسلسل، لتكون عبرة لهم في مسلسلهم الرمضاني القادم، وهو ما يوحى بأن البعض من القائمين على الإعلام لا يزالون يعتقدون أن المشاهد يمكن أن يأخذ قراراتهم على محمل الجد، متوهمين إن فلاح الأمة وصلاحها معلق على ما يتخذونه من قرارات ثورية. لعل المراقب لأداء شبكة الإعلام العراقي وخصوصا قناة العراقية، سيصاب باليأس ويخرج بانطباع مرير بأن الحكومة لا تسعى لبناء إعلام عراقي حقيقي، ولا يهمها أمر الثقافة والفنون في شيء. فالفنانون لا يزالون يأملون أن تلبي قناة العراقية حاجة حيوية في المجتمع العراقي وان تتمكن من اختراق العقبات والحواجز لتصل إلى المواطن وتقيم معه علاقة تفاعل صادقة، وقد يكون من المضحك أن يواجه المواطن نفسه بالسؤال: ما الذي قدمته قناة العراقية؟للأسف البعض سيضع أصابعه في أذنيه حين تعلو الأصوات مطالبة بان تكون القناة ناطقة بلسان كل العراقيين، وان لا تحسب على مكون طائفي واحد، لكن للأسف، فوحوش المحسوبية والمحاصصة الطائفية دائما ما تجهض أحلام الناس.  إن ما حدث ويحدث في قطاعات كثيرة يكشف بالدليل القاطع إننا أمام مسؤولين يمارسون جهلا تاما بقواعد الإعلام الحر. ولا يملكون من شروط المهنة سوى عدد من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "أخلاق المجتمع" و "خدش الحياء"، وتشعر أنهم جميعاً، إلا من عصم ربك من الجهل، يرددون هتافا واحدا، ويرتدون ثوبا واحدا، في يد كل منهم عصا، ما أن يسمع أحدهم كلمة رقص، أو تغريدة عشق بين محبين حتى يصيح "ستوب" ثم يبدأ بالتصرف العشوائي مع العمل الفني لكي يثبت لحجاج الحكومة أنه موجود في خدمة أولي الأمر. ولو كان السيد رقيب العراقية كلف نفسه عناء متابعة المسلسل على القنوات العربية الأخرى، لما كان قد تصرف على هذا النحو المخجل والمثير للضحك والشفقة في آن معا، نقرأ ونسمع كل يوم كيف أن شبكة الاعلام ومسؤوليها يملأون الدنيا ضجيجا وصراخا بشأن المهنية، وما حدث لها من انتهاك.. ولسوء الحظ تجدهم أول المنتهكين لأصول المهنة. يدرك السادة الأمناء أن منطق الرقيب يختلف عن منطق الإعلامي المحترم، فالرقيب يصيح ويملأ الأجواء ضجيجا لمجرد الشبهة ويبدأ باطلاق قذائفه تجاه العمل عشوائيا عملا بقاعدة الأخذ بالأحوط، بينما الإعلامي الحقيقي يعرف ويدرك.. ثم يقرر ما هو الأنسب للناس لا للمسؤول.عندما انتهى عصر تلفزيون الحملة الإيمانية عام 2003 استبشر العراقيون خيرا بأن ساعة فطام الشعب قد حانت، وأننا أخيرا سنلتحق بركب الدول التي بلغت سن الرشد وتجاوزنا نزق الإرشاد والتوجيه، إلى مرحلة من النضج يكون فيها القانون والشفافية والنزاهة هي اعلام المواطن وليس مقرات الأحزاب، لكن سياسيينا لم يستطيعوا مع العقل والنضج صبرا وأعادوا أنظمة مراقبة المواطن وارشاده إلى الخدمة.لعل السؤال الأهم الى متى ستظل قناة العراقية تتحفنا بهذه الفقرات الكوميدية المثيرة؟ وتضفي على حياتنا طابعا فكاهيا ساخرا، خلاصة الأمر أن هناك في الحكومة من لا يريد لهذه المهزلة أن تتوقف، ومنهم من لا يريد لدولة المواطنة أي اثر، ومنهم من لا يزال مصرا على أن العراقيين لم يبلغوا سن الرشد بعد، وان بعض المشاهد التمثيلية خطرا عليهم أكثر من خطر الإرهاب والقاعدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram