عدنان حسينعندما اندلعت ثورات الربيع العربي في الشتاء قبل الماضي تباهى البعض ممن يُمسك بالسلطة هنا -في العراق- بأن الربيع العربي إنما بدأ من بلاد الرافدين، في إشارة إلى سقوط نظام صدام حسين وقيام نظام بديل كان يُفترض أن يكون ديمقراطياً إلا انه يأبى ويستعصي على ذلك للسنة العاشرة على التوالي.
بالطبع لم يكن الكلام صحيحاً، فما كان مفترضاً أن يكون ربيعاً عراقياً صار صيفاً كاوياً أو شتاء قاسياً مع استمرار، بل تفاقم، المشكلات والأزمات الكبرى كالأمن والكهرباء والسكن والبطالة والصحة والتعليم والخدمات البلدية، وفي مقدمها النظافة، والفساد المالي والإداري والحصة التموينية والتلوث البيئي والمادة 140 وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات .. والقائمة طويلة للغاية.أمس بعث إليّ صديق تقريراً إخبارياًً، ليس بالجديد، عن راتب الرئيس المصري الجديد محمد مرسي، فأغراني ذلك بالتنقيب في الشبكة العنكبوتية عن موضوعات مشابهة تخصّ رواتب بعض الرؤساء وأعضاء الهيئات السياسية في العالم، فتكوّن لديّ صيد وفير أعرضه قبل التعليق عليه. لنبدأ مع الرئيس مرسي الذي كشف الشهر الماضي عن انه حدد راتبه ومخصصاته الأخرى بـ10 آلاف جنيه مصري، أي ما يعادل 1650 دولاراً شهرياً. وهو قبل ذلك طلب من الأمن تقليل أعداد السيارات في موكبه الرئاسي وأعطى تعليمات بعدم جواز أن يعرقل موكبه حركة المرور في الشوارع التي يمر بها.قبل مرسي كان هناك رئيس عربي آخر من نتاج الربيع العربي أيضاً، هو الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، قد رفض أن يتسلم أكثر من ألفي دولار شهرياً، متبرعا بالباقي من راتبه الأصلي (28 ألف دولار) للفقراء. كما انه قرر بيع جميع القصور الرئاسية باستثناء واحد وتخصيص الأموال المتحصلة للنهوض بقطاع التشغيل.من المعلومات التي صادفتني في الشبكة العنكبوتية أيضاً ان الراتب الشهري لرئيس الجمهورية التركي عبدالله غُل يبلغ 13 ألف دولار، وراتب رئيس وزرائه رجب طيب أردوغان 7 آلاف، أما راتب الرئيس الصيني فلا يزيد عن 27 ألف يوان، أي حوالي 3262 دولاراً.الرئيس اللبناني ميشيل سليمان يتقاضى شهرياً 15 مليون ليرة، أي ما يعادل 10 آلاف دولار، ويبلغ راتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو 15 ألف شيكل، أي حوالي 4200 دولار.وعندنا في العراق الذي تُكابد ملايينه للسنة العاشرة على التوالي أزمات ومشكلات شديدة الوطأة ومتفاقمة باستمرار، كالأمن والكهرباء والسكن والبطالة والصحة والتعليم والخدمات البلدية، وفي مقدمها النظافة، والفساد المالي والإداري والحصة التموينية والتلوث البيئي والمادة 140 وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات.. الخ، فان الطبقة السياسية العليا المتنفذة وعددها 325 نائباً في البرلمان وما يزيد عن مئة من أعضاء السلطة التنفيذية، فأن ما يتقاضاه كل عضو من أعضائها لا يقل عن 30 ألف دولار شهرياً، فضلاً عن أنهم يسكنون ببلاش ويأكلون ببلاش أيضاً ويسافرون كثيراً ويتقاضون مخصصات كبيرة.. وبعضهم يحصل على نسبة معتبرة من مبالغ الصفقات التجارية والمقاولات العسكرية والمدنية. ومعظمهم كان منذ عشر سنوات لا يملك شروى نقير، بل لا يساوي هو شروى نقير. باختصار إنهم جميعاً في ربيع دائم وشعبهم متروك لصيف كاوٍ مديد أو شتاء قاسٍ طويل. وهذا هو، في ما يبدو، الربيع العربي الذي تباهي بعض ساستنا بانبثاقه في بلاد الرافدين.
شناشيل: الربيع العراقي.. لمن؟
نشر في: 28 يوليو, 2012: 09:34 م