TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: تقليل أم تكثير العداوة؟

أحاديث شفوية: تقليل أم تكثير العداوة؟

نشر في: 28 يوليو, 2012: 09:38 م

 احمد المهناتمر على الشعوب أوقات من التشوش تهتز فيها المقاييس ويضطرب فيها الحس السليم. والشعوب مثل الأفراد. الخارج بينها من حرب غير المتخرج من هارفرد. فالأول يعيش مرحلة التطبب من آثار الدمار والثاني يبدأ باسم الله في حصاد ثمرات علمه. هذا صاحب عمارة وذاك وارث خرابة. الأول على السكة والآخر باحث عن الطريق.
والعراق في طور التطبب والبحث عن الطريق، لأنه ضل طريق البناء منذ ثورة 1958، ولم يهتد اليه حتى اليوم، رغم عظم التضحيات وفداحة الخسائر وطول السنين. ولا أدل على ذلك من شراسة التعارضات بين الكتل السياسية، وغياب الثقة فيما بينها، وكون الواحد منها يجرُّ بالطول والآخر بالعرض، وينجر معها جمهور كل منها.والسياسة مقياس جودة أو رداءة البلدان. وبعبارة أكثر وضوحا وأدق تحديدا فإن "الفرق بين أفضل البلدان وأسوئها هو على الأغلب الفرق بين رجال الدولة الجيدين والسيئين"، على حد تعبير أحد المفكرين. وحتى يوجد رجال دولة، من الأصل، نحتاج الى شعب مؤمن بدولته، وسياسة تدين بالولاء الى الدولة التي تعمل فيها. ونحن نفتقد الى ذلك القدر الكافي من الإيمان، والى الدرجة المناسبة من ديانة الولاء الوطني.ولا يكاد يوجد هناك خلاف على الأهمية الحاسمة للسياسة. ولكن الخلاف أو التعارض أو سوء الفهم قد يبلغ أشده عند الحديث في تفاصيل السياسة. وأحد هذه التفاصيل هو "العداء" في ممارسة السياسة داخل البلد. وهو تفصيل أو موضوع على درجة من الأهمية الى حد أن بعضهم شرح عبارة "السياسة هي فن الممكن" بأنها تعني "ازالة اكبر قدر ممكن من الشر بإحداث أقل قدر ممكن من العداء".واذا ناقشنا السياسة في بلدنا على أساس هذا الفهم فإن الحكم لن يكون في صالحها. ولعل البراهين والأدلة كافية لتجريم السياسة في تاريخ الجمهورية بارتكاب جناية "إحداث أكبر قدر ممكن من العداء"، أو انتهاجها "صناعة العداوة" بين فئات الطبقة السياسية. حتى ليمكن القول أن تاريخ السياسة في العراق الجمهوري هو تاريخ عداوة أكثر مما هو تاريخ صداقة. ففي ثلثيه ناصب الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار العداوة بين بعضهم البعض. وانتهى الثلث الأخير من "سياسة العداوة" الى أزمة "انقسام البيت" اليوم.ولعل أرفع منصب تنفيذي في البلاد، وهو رئاسة مجلس الوزراء، يمثل اليوم أكبر عناوين هذه السياسة. وقد لا تكون "العداوة" هي الوصف الملائم لعلاقة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بأطراف العملية السياسية، ولكنها ليست "الصداقة" بكل تأكيد. فعلاقته متوترة مع التحالف الكردستاني، وائتلاف العراقية، والتيار الصدري. وهي ليست على أحسن مايرام مع المجلس الأعلى.ولقد أصبح شيئا يشبه المعجزة أن نرى لقاء يجمع بينه وبين د. أياد علاوي، أو مع السيد مسعود البارزاني، وبدرجة أقل، ولكنها غير قليلة ابدا، مع السيد مقتدى الصدر. ومن المؤكد ان المالكي ليس مسؤولا وحده عن هذا التوتر، ولكنه أكبر المسؤولين عنه لتمتعه بأكبر السلطات. كما أننا جميعا لسنا بريئين من المسؤولية عن تقبل أو اعتياد أو حتى تكريم سياسة العداوة، وبالتالي عن فشل اشتغالنا بـ "فن الممكن" على أصوله الشريفة، أي بتكثير الصداقات وتقليل العداوات.. ما أمكن. فالصداقة هي طريق الفضيلة في السياسة والمجتمع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram