عدنان حسين شهدت بغداد خلال الأيام القليلة الماضية، وبالذات أمس، وضعاً صحّ معه ترديد المثل القائل:"عادت حليمة (أو ريمة) الى عادتها القديمة". وحليمة (أو ريمة) هنا هي الأجهزة الأمنية التي رجعت بنا القهقرى الى ما كنّا عليه قبل انعقاد القمة العربية الأخيرة في عاصمتنا.
غداة انتهاء القمة وعد القادة الأمنيون بالتخفيف كثيراً من الإجراءات الأمنية ورفع أكثر من خمسين في المئة من نقاط التفتيش والجدران العازلة. وبالفعل شهدنا انفراجات ملموسة على هذا الصعيد على مدى ثلاثة أشهر وأكثر.واضح ان النكوص الى المربع الأول في هذا المجال جاء بعد سلسلة العمليات الارهابية التي حدثت في الاسابيع الأخيرة. لكن هل هذا الإجراء صحيح؟ .. تشديد التفتيش في السيطرات كان قائماً على مدى سنوات ولم تتوقف التفجيرات والهجمات الارهابية. جزء من هذا يرجع الى ان نظام التفتيش القائم على الأجهزة التي ثبت انها أشتريت في صفقة فاسدة هو نظام غير ناجح بدليل ان التفجيرات والهجمات الارهابية لم تتوقف.السبب الأكبر والأخطر في استمرار تمكن الارهابيين من العمل بحرية لابد أن يرجع الى شيء آخر .. الى النظام الأمني برمته .. الى القيادات الأمنية .. الى الفساد في الأجهزة الأمنية... وهذا كله ناجم عن تلوث المؤسسة الامنية بلوثة المحاصصات الطائفية والحزبية.. بصراحة، مؤسساتنا العسكرية والأمنية ليست سليمة من هذا الوباء الضارب أطنابه في دولتنا.يعزو بعض أعضاء السلك السياسي في بلدنا حرص رئيس الوزراء على الهيمنة على المؤسسة العسكرية والأمنية الى انه ظل لحقبة طويلة ممسكاً بملف الأمن في حزبه (الدعوة الإسلامية) ما جعله يعيش دائماً، حتى الآن، تحت هاجس المؤامرة من الآخرين، كما يقال داخل السلك السياسي.بالطبع ليس الأمن وحده فاشل في بلادنا، فدولتنا فاشلة على الصعد كلها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ليس زعماً أو تخرصاً منّا نحن الذين يُصنّفنا بعض المحيطين برئيس الوزراء على اننا معارضون، فهو أيضاً حكم منظمات دولية معتبرة لم تزل تصنفنا في خانة الدول الأكثر فشلاً.السيد نوري المالكي المستحوذ على ملف الأمن لم يتبق له من ولايته الحالية سوى سنة ونصف السنة أو أقل. وهو في هذه الولاية لم يحقق إنجازاً في أي ميدان من الميادين يستطيع أن يتقدم به الى الانتخابات المقبلة اذا ما قرر الترشح لولاية ثالثة أو يحتفظ به للتاريخ والذكرى مثلما احتفظ التاريخ للحقبة الملكية بانجازات التعليم والتمدن ومجلس الاعمار ، ولحقبة عبد الكريم قاسم القصيرة جداً بانجازات مدينة الثورة وقانون رقم 80 وقانون الإصلاح الزراعي وقانون الاحوال المدنية ... الخ.أصحاب المالكي يتفاخرون دائماً ب"صولة الفرسان" في البصرة .. كان عملاً جيداً ولا شك، لكن تبيًن أخيراً ان النصر فيها كان بفضل القوات الأميركية التي لو لم تتدخل لتحولت الصولة الى كارثة .. هذا ما كشفته خبيرة عسكرية بريطانية كبيرة كانت تعمل مع القوات الأميركية. أما الانسحاب الأميركي، فليس إنجازاً لأحد لأن الاميركيين كانوا قد أعلنوا منذ البداية انهم لم يجيئوا ليبقوا، ولو كان الذين تولوا السلطة في بلادنا قد عملوا بالهوية الوطنية لا بالهوية الطائفية والقومية لتحقق الانسحاب الاميركي قبل أوانه بسنوات، ولتجنب العراق هذا الخراب المتواصل والشعب العراقي هذه المعاناة اليومية المتفاقمة.لم يتبق للسيد المالكي سوى سنة ونصف السنة. اقترح عليه أن يترك الآن الملف الأمني لغيره وأن يركز على ملف آخر، كالكهرباء أو الزراعة أو الصناعة أو البطالة أو التعليم أو الصحة، ليحقق إنجازاً معتبراً ويترك أثراً يبقى على مرّ السنين كآثار الحقبة الملكية أو حقبة قاسم.
شناشيل..اقتراح برسم المالكي
نشر في: 29 يوليو, 2012: 09:12 م