أمير هشام يحاول (كاظم النصار) المخرج العراقي المبدع في تحديد مسار له ادخل أروقة المخرجين الرواد المبدعين أمثال( صلاح القصب - جلال جميل - قاسم محمد - سامي عبد الحميد) الخ، في تنصيب مفاهيم جديدة قديمة (متناصة) عن المسرح العالمي ليكون له هوية في المسرح العراقي بشكل خاص والمسرح العربي بشكل عام.
تم عرض مسرحية (مطر صيف) للمخرج النصار من تأليف الكاتب المتألق علي عبد النبي الزيدي، وتمثيل الفنانة القديرة الغائبة عن المسرح العراقي هناء محمد والممثل الرائع فاضل عباس لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من 10/7/2012 الساعة السابعة مساءً على بناية خشبة المسرح الوطني. وتميز العرض بلغة تقوم على أساس نظام دلالي يعرف بنظام العلامات ( الإشارات) المرئية والسمعية، استخدمت في داخله لغات نقل الأفكار بين شخصيتين (الزوج والزوجة) بأسلوب تعبيري لإيصالها إلى الجمهور، رغم أن النص كان محبطا ومشبعا باللغة المأساوية، إلا أن النصار، حاول أن يثير الابتسامة والأمل وديمومة الحياة في بثه، لصور وتشكيلات أثناء العرض المسرحي (الزوج والزوجة) والأجساد المعلقة في عمق المسرح التي تشير إلى الذاكرة بين الحين والآخر، أطلقت عليها تسمية (الأجساد المعلقة) أو (الشخصية المعلقة) المعروفة لدينا مسرحيا، إضافة إلى المؤثرات الموسيقية والأغاني و( الهلهولة)، إلا انه يوقض ويستفز الجمهور برعب دقات الباب، ودخول الرجل المستنسخ، معتمدا على أداء ممثل في سرديته وآليته ومردودية أفعاله النفسية في إثارته لتلك الذاكرة في هلوسة ذاتية مطلقة، تحاول أن تقنع المشاهد نحو الخطاب المسرحي في إثارة الألم والمتعة والرغبة نحو اللذة وتحريك الجانب النفسي والجسدي عنده، بأداء هناء الذي كان اخف من ريشة رسام على لوح خشب، ومهارة فاضل في التحول النفسي والجسدي لأكثر من شخصية في آن واحد. اعتمد الزيدي في نصه على مفاهيم رئيسية ( الحرب- الانتظار – الإحباط) بينما اعتمد النصار في العرض على الممثل وتقنياته البسيطة في زج مفاهيم جديدة وهي (السلطة الجنس) معتمدا عليها في عروض سابقة كـ( نساء في الحرب - وخارج التغطية)، وهذا ما جعله ينتمي إلى سجنوية سلطوية (فوكو) وباحثا عن الغريزة عند فرويد، محاولة لتأكيد ذاته في دائرة هيغلية ديالكتيكية جديدة، من خلال تعامله مع (غرفة النوم – وسائد – مرآة – طاولة - ملكانة جسد - أزياء تغير أثناء العرض). ويختار النصار دوما النصوص التي تحمل شخصيات ذات أفكار وهموم استرجاعية مستخدما تقنية (flash back) وما تحمله تلك الشخصيات من هواجس وخيال وأحلام تعيش على الماضي، إضافة إلى استخدام تقنية (مسرح داخل مسرح) في ذكره لشخصية مسرحية عالمية، إلا انه تخلى عن التقنية الثانية في عرضه الأخير، فيعتبر النصار من مخرجي ما بعد الحرب، (الحرب) التي تخلف وراءها الويلات والدمار، وفي نفس الوقت تنتج وتشرق لنا مبدعين وخلاقين في الثقافة بشكل عام والمسرح خاصة، وهذه هي نتاجات الحروب والكوارث وفي لمحة إخراجية تشكيلية دائرية في أداء هناء في بحثها عن الرجال الذين فقدوا وطالت غيبتهم وظلت النساء وحيدات بدون رجال اثر الحرب، أشار النصار كتابيا في كلمته الموثقة في (فولدر العمل)، الى "....ننتظر أكثر من ثلاثة عقود بعدها نحصد القش....الخ" في التفاتة ذكية من المخرج في تحييد أزمة الحروب في زمكانيتها المختلفة وتحميلها مفاهيم (الأسر- الهجرة – السلطة - الجنس) داخل ثنائيات ديالكتيكية (الأنا والآخر) (الرجل والمرأة) (الوطن والخارج) (الجسد والنفس) (الحياة والموت) (العاطفة والجنس) وبهذا يمكن أن نسميه مسرح النصار بمسرح ما بعد الحرب.
هوية النصار المسرحية
نشر في: 30 يوليو, 2012: 07:08 م