TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :شكراً .. ماشي!

سلاما ياعراق :شكراً .. ماشي!

نشر في: 30 يوليو, 2012: 07:15 م

 هاشم العقابي أكثر العبارات استعمالا في بريطانيا، وربما في دول الغرب كلها،  هي: "أشكرك" thank you  و"من فضلك" please. وان كان البعض يتصور أن "نعم" و "لا" هما الأكثر "استهلاكا" هناك، لكن الحقيقة هي انك يندر أن تجد بريطانياً يلفظ "نعم" بدون "من فضلك" أو يقول لك "لا" بدون "شكرا".
بين ما تعلمته، قبل أن أعيش بين البريطانيين،  أن الشكر قد نلفظه حين يقدم لنا شخص خدمة ما أو يسدي لنا فضلا معينا. لكني لم أجدها قاعدة عندهم. وقد لا يصدق أحدكم لو قلت له أن كسر هذه القاعدة كان واحدا من بين أسباب كثيرة جعلتني اختار بريطانيا منفى استقر فيه لأكثر من ربع قرن. بداية اكتشافي جاءت يوم ذهبت لتسلم المساعدات المادية التي تقدمها بريطانيا للأطفال من دائرة البريد. وهذه المساعدة تقدمها الحكومة لكل طفل حتى لو كان أبوه مليونيرا وتسمى child benefit. وبعد أن قدمت أوراق الإثبات لموظفة البريد ناولتني "المقسوم" وسبقتني بالقول " شكرا لك" مع ابتسامة مليئة بالصدق والامتنان. خرجت حائرا في تفسير هذا السلوك الإنساني الذي فاجأني. صادفني زميل دراسة عراقي فأخبرته بما قالته لي الموظفة. لم يستغرب بل قال لي: عادي. وكيف تعتبر هذا السلوك عاديا؟  لأنهم أوادم. لك الحق، فهم كذلك فعلا.وبينما أجد الأطفال في بريطانيا يبدأون بلفظ كلمة "شكرا" مع كلمة "ماما" الأولى أو قبلها أحيانا، ويتعلمونها قبل أن يتعلم أطفالنا "دار" و"دوران"، أجدها تستوحشني كلما ازور بلدا عربيا ومن بينها  العراق. غيابها من على ألسنة الناس يشعرني بأن هناك بخلا روحيا، وجفافا يوحي بفقدان الحب والمودة. صدق من قال: "رطبوا ألسنتكم بالشكر". وأروع دعاء سمعته عن إعرابي أراد أن يشكر طبيبا أنقذ طفله من مرض عضال فقال له: "آتاني الله لسان صدق يقوم بأعباء شكرك".حقا يحتاج الإنسان لسانا يعرف كيف يقول الشكر بصدق. وما أغرب من شحة كلمات الشكر في بلداننا، غير أن تجد إنسانا يصعب عليه قول كلمة "شكرا" أو انه لا يعرفها من الأساس.ومن هذا الغريب وجدت في مصر الكثير من الناس حين تعطيه "بقشيشا" لا يقول لك "شكرا" بل "ماشي" وكأنه عفا عن فعل سيئ قمت به تجاهه. آخرها البارحة عندما أوصلني سائق التاكسي للمكان الذي قصدته. كانت أجرته 7 جنيهات فأعطيته 10 وقلت له احتفظ بالباقي. رد علي: "ماشي". فسرتها بالعراقي "ميخالف" أي "ولا يهمك" بالمصري. لكن هذه تقال عادة لمن ينقص الأجرة لا لمن يزيدها. التفت صوب السائق وقلت له "شكرا" متوقعا انه فهم قصدي. لكنه رد مرة أخرى "ماشي". عفوا يا ريس، وثق إنني لن أكرر غلطتي هذه بعد اليوم. ماشي؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram