سرمد الطائيفي البرلمان: جدل حول منح المواطنين أموال النفط الإضافية بدل تحويلها إلى ميزانية تكميلية. لا نعلم حجم هذه الأموال لكن الحكومة خجلانة وتقول إن الأموال قليلة و"ما تسوى نوزعها" على الشعب، لكن "يسوى" نعملها موازنة تكميلية.
التيار الصدري لم يكن راضيا عن هذا الموقف لأنه صاحب مقترح توزيع فوائض النفط على المواطنين حتى لو كانت مئة دولار للفرد، وذلك بهدف تكريس تقليد للمستقبل. احد نوابه يقول: ما فائدة أن نمنح الأموال كموازنة تكميلية للوزارات، بينما الوزارات لم تنفق حتى نصف موازناتها الأصلية ونحن ندخل ثامن شهور السنة!والحقيقة إن الوزارات ليست وحدها عاجزة عن الصرف، فمحافظ البصرة صرخ واشتكى قبل شهرين بسبب تجميد مجلس الوزراء لمشاريع هناك قيمتها 500 مليار دينار، ويبدو أنها لا تزال مجمدة لحكمة لا يدركها إلا الراسخون في العلم، ولو قدر له أن يوزعها هبات للبصريين لكان أجدى له، ولاشترى الناس مولدات ووقود لتعويض نقص الطاقة في هذا "الشرجي القاتل" الذي يطبخ البرحي والخضراوي والقنطار والسعمران والبريم والساير، ويطبخ معه سكان الساحل الشرقي لأرض السواد.في الباب الشرقي: ظلت سيطرات الاثنين تشبه سيطرات الأحد، أي أن من اضطر إلى قطع قلب بغداد مشيا على الأقدام بداية الأسبوع، أعاد الكرة في اليوم التالي وفي جو "ربيعي" هائل كما تعلمون. والسبب كما تقول روايات "تويتر" هو إن عيون السلطان اخبروه بأن ألف طن من الديناميت دخل إلى بغداد، ولحرص الحاكم على حياة المواطنين فقد قرر التشدد في السيطرات إلى أقصى الحدود.احد المساكين كان يقطع الطريق الى جانبي مشيا على الأقدام ويتحدث مع نفسه في مونولوج رهيب، قائلا: سواء تشددوا أم تساهلوا، فإن من يريد أن يفجر سينجح في تفجيرنا. يا حكومة أزيلوا السيطرات وليكن ما يكون، وانتم عاجزون على أي حال، نحن الذين سنموت في النهاية، فما دخلكم انتم في موتنا؟في كتاب خزنته على موبايلي: ورد بيت شعر للرصافي أعجبني جداًَ، إذ يقول معروف عبد الغني متحدثا عن زمانه: "فلا هو في سلم فتأمن بطشه.. ولا هو في حرب فنقعد للحرب". وهذا ينطبق على حالنا إلى حد كبير، فلا نحن في سلم كي نعيش وفق مقاساته، ولا نحن في حرب كي "نقعد للحرب" وهذا ما رمى إليه جنرالات السلطان حين استخدامهم نظرية "الأمن الهش" التي سبقهم الرصافي إلى وصفها والتذمر منها، فهذا الأمن يعني ان منجزات الحكومة تسمح لنا بالتواجد في كل مكان كما في ايام السلم، ولكن تحت رحمة سيطرات وقرارات وتحركات عسكرية لا نهاية لها من سوق الشيوخ إلى فيشخابور.على أطراف الانبار: تجول الصديق يوسف المحمداوي وعمل لنا قصصا صحفية تستحق المتابعة وهي ترصد وضع آلاف اللاجئين السوريين الذين هربوا من مدفعية السيد بشار الأسد، لائذين بجيرانهم، وهم يتحدثون عن أقاربهم العراقيين، فكل المدن الحدودية لديها صلات عائلية وقرابات وطيدة مع الجهة الأخرى من الخط الدولي.لكن رواية يوسف تنقل لنا واقعا مأساويا حول تخصيص دورة مياه واحدة لأكثر من ستمائة لاجئ، وأوضاعا إنسانية صعبة في "المخيمات" التي أنشأتها الحكومة. وأتخيل لو أن عراقيين لجئوا إلى سوريا أو السعودية أو إيران فوضعوهم في ظروف مشابهة، لصاح أعضاء برلماننا "حسب انتمائهم الطائفي" قائلين: إن حكام السعودية (او إيران او سوريا) يضعون أبناءنا في مخيمات لا تصلح لإيواء الدواب، فتتصاعد الشتائم وتكبر الإحن والضغائن.والحقيقة إن العراق الذي تفشل حكومته في رفع القمامة عن الشارع، سيعجز بالتأكيد عن إيواء أي لاجئ في ظروف معقولة رغم تخصيص المليارات. ويردد احد الأصدقاء تساؤلا طريفا حول إمكاناتنا الإدارية بالقول: تخيلوا أن الكعبة التي يؤمها الملايين موجودة في العراق، فكيف سيصبح شكل الحج حينها، وهل يمكن إتمام المراسم المعقدة خلال 3 أيام كما يجري حاليا، أم أن الفقهاء سيضطرون إلى تمديد الطقوس هذه أسبوعا أو شهرا تماشيا مع الطريقة العراقية البطيئة والمتلكئة في إدارة الأمور؟ وليس مستبعدا حينها ان تصدر فتوى أكثر جرأة تعفي المسلمين من الحج أساسا، نظرا "للظروف العصيبة في العراق الشقيق". هل يكفي هذا في الاعتذار للسوريين أو لكل سيئ حظ قد يجد نفسه في يوم ما، لاجئا لدينا؟ وهل علينا أن نثبت لهم بالدلائل إن العراق بأسره مجرد "مخيم لاجئين كبير" فيه الكثير من نقاط التفتيش، ولديه الكثير من آبار النفط التي لم يتنعم بها احد سوى مسؤولي هذا المخيم البائس؟
عالم آخر: لو كانت الكعبة عراقية
نشر في: 30 يوليو, 2012: 09:27 م