TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: ساهر الليل و"تغريدة" القبس

العمود الثامن: ساهر الليل و"تغريدة" القبس

نشر في: 30 يوليو, 2012: 09:41 م

 علي حسينمنذ الأيام الأولى لعرض حلقات المسلسل الكويتي "ساهر الليل"، والذي يناقش قضية غزو الكويت عام 1990، اندلعت رحى حرب طاحنة على صفحات الصحف والمواقع الالكترونية والفيسبوك وتويتر، وكلها تطرح سؤالا واحدا: من المسؤول؟ وأنا أشاهد بعض حلقات المسلسل سألت نفسي سؤالا آخر: ترى ما هي أفضل طريقة للهروب من مواجهة الحاضر والمستقبل،
فوجدت أن صناع المسلسل وجدوا الطريقة التي يعتقدون أنها الأمثل واعني بها الانشغال بالماضي وتقليب دفاتر تثير الأسى والشجن للشعبين.. طبعا لا أحد منا يمكنه أن يصادر حق الكويتيين ومعهم العراقيين في ان يستذكروا سنوات الدكتاتورية المقيتة، ويأخذوا العبر منها في بناء نظام ديمقراطي لا يسمح فيه لفرد مهما علت منزلته بأن يتحكم بمصير الناس. لكن ليس من حق احد أن يحول هذا الاستذكار إلى شتيمة لكل العراقيين وان يضع نفسه وصيا على مستقبل العراق السياسي والاقتصادي، فمثل هذه الأفعال لن تعيد حقاً، ولن ترجع الروح من جديد إلى جسد العلاقة بين الأشقاء.ربما امنح العذر لصناع المسلسل لان إحداث 2 آب وأسرارها والمآسي التي حدث فيها تسيل لعاب أي كاتب ومخرج تلفزيوني، ولكنني لا استطيع أن اعذر صحيفة مثل القبس الكويتية نكن لها كل الاحترام والتقدير من أن تنزلق إلى نفس شروط لعبة المسلسل بل ويذهب محررها الفني الى ابعد من ذلك حين يكتب تغريدة صغيرة تحت عنوان: "عراقي عراقي".. يقول فيها : "أقدر اعرف المؤلف والمخرج والممثلين ليش مصرين على ان يستخدموا عبارة غزو صدامي في مسلسل ساهر الليل بدلا من عبارة غزو عراقي؟ ما يدرون أن الفن هو تجسيد للواقع، ولا علاقة له بالعلاقات الثنائية والدبلوماسية وما الى ذلك؟" لا استطيع ان امنح العذر لصحيفة يكتب بها أساتذة بوزن احمد الصراف وسعد بن طفلة ومحمد الربيعي وقبلهم الراحل الكبير احمد الربعي وغيرهم من الذين لم يتوقفوا يوما من مناصرة قضية العراقيين ومطالبة الجميع التفرقة بين غزو صدام للكويت وبين بناء علاقات قوامها التعاون والتسامح وفتح صفحة جديدة بين الشعبين العراقي والكويتي.. وكيف أصرّ هؤلاء الكتاب على التذكير بان ما حدث للكويت يتطلب من الجميع دراسة الأسباب التي دفعت صدام إلى هذه المغامرة، والنتائج التي حصدها العراقيون والكويتيون من ورائها. يدرك صناع المسلسل جيدا ومعهم الزملاء في القبس إن العراقيين ذاقوا الظلم مضاعفا حين حاول الجميع تحميلهم وزر جرائم نظام صدام، وذاقوا مرارة الصمت العربي حين نكل صدام بالجميع من شيوعيين إلى قوميين إلى إسلاميين وسط تهليل عربي من المحيط الى الخليج يهتف باسم حارس البوابة الشرقية، وحين رمى صدام نصف مليون عراقي على الحدود الإيرانية لم يستيقظ ضمير أي حاكم عربي، ولم يبادر المفكرون والمثقفون العرب باستنكار هذه الجريمة، بل العكس شاهدنا العشرات منهم يهتفون لبطولات القائد الرمز، وفي الوقت الذي كانت زهرة شباب العراقيين يذبحون من الوريد إلى الوريد في جبهات القتال، كانت منصات الشعراء تتغنى بخوذة القائد الضرورة. الثاني من آب كان نتيجة حتمية للصمت العربي والدولي على جرائم ارتكبت بحق العراقيين، ولو أن مغامرات صدام لم تقده إلى الكويت وإنما قادته إلى حرب مع الجارة تركيا لوجدنا الجميع يهلهلون لحامي حمى العروبة، راجعوا الأرشيف جيدا وشاهدوا كيف كان صدام ببدلته العسكرية يستقبل استقبال الملوك والأولياء الصالحين في معظم الدول العربية، راجعوا أرشيف بعض المطبوعات الكويتية واقرأوا المطولات والقصائد في مديح الفارس المغوار، لا يتحمل العراقيون وحدهم مغامرات صدام وحروبه بل يتحملها كل من كتب وتغنى بمعجزات "القائد الضرورة". أما العراقيون فهم يحملون كل الحب للكويت شعبا وأرضاً، فهذه البلاد كانت منارة الثقافة العربية وهي الدولة التي انطلقت منها شرارة الثورة الفلسطينية، والبلد الذي احتضن ابرز مفكري العرب بكل انتماءاتهم السياسية والفكرية. فالكويت كانت ومازالت بلاد العرب بجميع طوائفهم وهي الدولة التي قدمت الكثير ولكن هذه هي أزمتنا العربية وأزمة سياسيي هذه الأمة التي عاشت الاستبداد وعشقته وكان صدام رمزاً لهذا الاستبداد، فكان هؤلاء يدافعون عن الاستبداد لأنهم يقتاتون عليه. لا أجد ردا على صناع مسلسل "ساهر الليل" ابلغ من تلك العبارة التي كتبها احد الجنود العراقيين على مبنى خرساني وسط الصحراء: "أيها الكويتيون نحن معكم" ولعل هذا لسان حال العراقيين جميعا.مسلسل ساهر الليل وقبله برامج وكتابات وتصريحات متشنجة ورعناء لنواب من العراق والكويت أجدها اليوم تثير الخوف في النفوس، الخوف من أن يتحول هذا التاريخ المشترك بين الاشقاء الى لعبة بيد أطفال لم يبلغوا سن الرشد بعد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram