عواد ناصرلنا أن نقتسم الشعر مثلما نقتسم الألم. قصيدة الشعر لا تثبت في جغرافيا ولا تستكين في رمزها الخاص أو لغتها الخاصة. قصيدة الشعر حركة في التاريخ اليومي للحرية، وفي الغفران بطبعته الشعرية حيث لا آلهة تكفي للغفران ولا للصمت.
و"المارون بين الكلمات العابرة" قصيدة الشاعر محمود درويش ليست فلسطينية بامتياز خاص بل قصيدتنا حيث ساعاتهم تحتل وقتنا وتشير إليه وتغتاله.هذه القصيدة تغادر هويتها الفلسطينية رغم ختم الشاعر من بدايتها حتى نهايتها.. هي قصيدة يمكن أن تكون عراقية، مصرية، تونسية، خليجية، لبنانية.. إلى آخر الوجع العربي، حيث يجثم احتلال الطائفة والتحالف والبرلمان المزور والدستور المهلهل في صيغة فريدة تشهدها أكثر من عاصمة عربية.قصيدة مقاومة؟نعم.نقاوم بالقصائد حتى لو لم تبقوا لنا حائطاً صالحاً لنعلق عليه كلماتنا البيضاء.."أيها المارون بين الكلمات العابرة..".قصيدة خارج الطقس المحلي لفلسطين، وإن حملت غبار المجنزرة ودخان قنبلة الغاز والدبابة الرمادية التي تحرس جدران الاستيطان. دبابة لا يعرف قائدها كيف يقودها إلا بمرسوم مقدس ونصٍّ مهلهل وتعويذة بائدة، فلا نجد سوى أن نقول، مثلما قال الفلسطيني للإسرائيلي:"احملوا أسماءكم، وانصرفواواسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفواواسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة..وخذوا ما شئتم من صورٍ، كي تعرفواأنكم لن تعرفواكيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماء"...عابرون أنتم مثلما عبر قبلكم كثيرون رغم قوة الوهم بخلود الحاكم وصلف المحتل، المحتل الذي يمثله أخي العراقي، أخي الذي أكرهه!لا، ليست دعوة للكراهية، بل هي عاطفة الحرية التي تقاوم الاستبداد، وتضاده وتحتمي بنفسها وهي تؤجل المناسب والتحالفي والممكن وتزدريه.قصيدة هذا الفلسطيني الذي يولّد الاضطراب حيثما تكلم وأحب وكره وغضب.. قصيدتنا ونحن في ذروة يأسنا من وطن يحكمه لصوص وأميون وباعة شعارات وحراس مدافن وعوج ألسنة ورجال جوف.. قصيدتنا التي لم يقلها شاعر عراقي، للأسف، ولكن لنا في الشعر أخوة وحلفاء وأصدقاء وإن عاشوا في مدن بعيدة. اللغة واحدة والألم واحد والاستبداد واحد وصرخة محمود درويش لطرد العابرين في الكلام العابر خطاب عربي شعري يتبناه المكافحون من أجل الحرية وحلم الناس بالحرية ودم الناس الغارق برصاص أعداء الحرية، ليحيا الناس، ليس في فلسطين وحدها، إنما في بقاع عربية عدة ابتليت بالسفلة والأميين وعديمي الأخلاق وسيئي التربية، من المحيط إلى الخليج.. هي قصيدتنا نستعيرها مثل ضماد لجرح فلسطيني أو عراقي أو مصري أو ليبي أو تونسي أو سعودي أو بحريني أو سوري: هل رأيتم صور الدمار في المدن السورية التي تدكها الدبابات ويغير عليها الطيران على مدار الساعة؟ارحلوا عن أوطاننا وخذوا ما شئتم من دمنا ودفاتر أطفالنا وياسمين حدائقنا فنحن الأكفاء لنعيد بناء أوطاننا من دونكم، حتى لو أخذتم الأوطان كلها.. ومهما فعلتم فلستم سوى مارين بلا أثر ولا مآثر، وما أنتم سوى لصوص المرحلة ونحن منهوبو المرحلة ولا بأس، لأنكم لصوص بلا كرامة: نحن نطردكم جداً من هوائنا وغرف نومنا ولغتنا وخيارات أطفالنا في اللعب ونسائنا في الحب ورجالنا في الشهوة وصديقاتنا في المرح وآبائنا في الصبر على حصار الأولاد وأجدادنا في الخوف على الأحفاد، أخرجوا إن كان لديكم بعض كرامة."أيها المارون بين الكلمات العابرة..منكم السيف.. ومنا دمنامنكم الفولاذ والنار.. ومنا لحمنامنكم دبابةٌ أخرى.. ومنا حجرمنكم قنبلة الغاز.. ومنا المطروعلينا ما عليكم من سماءٍ وهواءفخذوا حصتكم من دمنا، وانصرفواوادخلوا حفل عشاء راقص.. وانصرفواوعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء..وعلينا، نحن، أن نحيا كما نشاء!!".هي قصيدة عاقلة برغم كل الجنون الذي تنطوي عليه، وهي قصيدة مجنونة برغم كل العقل الذي يحكمها ويديرها ويحسن تدبيرها، قصيدة محترف شعر وحب وألم وشغف بالحرية، بينما تغالب الناس وحشتها في بيوت لا تشبه البيوت ولا من من حديقة حتى للأطفال يمضون فيها أمسية آمنة تدر عليهم بعضاً من السلام في طقس حروبكم وصراعاتكم على الكراسي والمال والوجاهة الفارغة.إن خروج أحدكم على شاشة فضائية يقتضيه صرف وقت لعقد ربطة عنقه وعطره وكريم وجهه واختيار قميصه وبدلته أكثر بكثير من الوقت الذي يقتضيه لتدبير كلامه وخوفه من الزلل وحرصه على سلامة لغته العربية.هي قصيدة كافرة بمقدس الدولة الفاشلة وتابو الحكومة الفاسدة وغيتو الطائفة المغلقة واضطراب التحالف الهش والدستور الغامض.اتركونا، بلا "رجاءً"، إذ عليكم أن تتركونا تننفس هواء الوطن بكل ما فيه من غبار وظلام وحفر وتوريات سابقة ولاحقة:"أيها المارون بين الكلمات العابرة..كالغبار المرّ، مرّوا أينما شئتم ولكنلا تمروا بيننا كالحشرات الطائرةولنا قمحٌ نربيه ونسقيه ندى أجسادناولنا ما ليس يرضيكم هنا:حجرٌ.. أو خجلُ".أقيموا في لحظتكم الأثيرة وهي تختصر عصر الحضارة في اللطم والتفجير والتفجير المضاد والحرب غير المقدسة بين المسجد والحسينية فلم نجد في بلدنا، الذي لم نزل نخشى التعبير عنه، أي شيء جديد في "العراق الجديد&quo
أيها المارون بين الكلمات العابرة..قصيدة العرب الفلسطينية
نشر في: 31 يوليو, 2012: 06:30 م