يوسف علوانيبدو أن المحاصصة التي يشهدها البلد في جميع مجالات الحياة السياسية، وبالأخص الهيئات المستقلة، التي وجدت للحفاظ على استمرار النهج الديمقراطي للعملية السياسية في الاتجاه الصحيح، ومراقبة السلطات التنفيذية والتشريعية من الخروج على نصوص الدستور –وهذا ما نراه يحدث كثيرا هذه الأيام-
وقد تضمن الفصل الرابع من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، مواد عن الهيئات المستقلة (102 - 108)، وعد الدستور في المادة (102) كلاً من: المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة . هيئات مستقلة تخضع في عملها لرقابة مجلس النواب، وبذلك ترتبط هذه الهيئات بأعلى مرجع تشريعي حسب الدستور العراقي، ويتم تنظيم أعمالها بقانون يصدر عن مجلس النواب. واستقلالية هذه الهيئات يضمن لها حريتها، وعدم خضوعها للسلطة التنفيذية، وممارسة عملها بشفافية. وقد أعطى الدستور لهذه الهيئات القوة القانونية التي تحميها من تدخل السلطة التنفيذية والقضائية، وحدد لها عملها والجهة التي تستطيع أن تقوم بحلها.وقد جرت في الأشهر السابقة محاولات حثيثة من قبل بعض الكتل المتنفذة في إخضاع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى ضغوط مورست عليها من خلال استجواب بعض أمنائها في مجلس النواب بسبب فساد في بعض أعمالها. وقد استغرب بعض المراقبين، لأن حجم الفساد الذي طرح أثناء استجواب مسؤولي المفوضية، لايعادل ما يجري من فساد، في كل مفاصل الدولة، وعلى الأخص الفساد الذي يشهده الجميع في مجال وزارة الكهرباء ووزارة التجارة. بل في اغلب الوزارات، والذي يقف عاجزاً أمامها مجلس النواب! ورغم أننا لا ندافع عن نزاهة أو عدم نزاهة الذين استجوبوا إلا أن هذه بعض الضغوط التي تتعرض لها المفوضية لإخضاعها لإرادة البعض وخصوصاً أننا مقبلون على انتخابات مجالس المحافظات، هذه الانتخابات التي تتطلب إقرار قانون جديد لها.. غير أن الكتل لم تستطع حزم أمرها في إقرار القانون ولهذا سيكون موقف المفوضية حرجاً لو أقر القانون في اللحظات الأخيرة، وهذا ما متوقع له أن يحدث! وتأخير إقرار القانون سيكون له تداعيات سلبية على موعد إجراء الانتخابات المقررة مطلع العام المقبل. وكان نواب قد طالبوا في بيان بتعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، على غرار قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون الانتخابات السابق ، وأن يتم احتساب الأصوات وفق الباقي الأقوى وذلك لضمان حق المواطن في اختيار من يمثله في الحكومة. "ووفقا للنظام السابق لتوزيع المقاعد قد تهمل نسبة أكثر من 65% أو 70 %من أصوات المصوتين وتمثل فقط نسبة 35% أو 30% من المصوتين وهو ما يتعارض مع الديمقراطية التي تضمن تمثيل إرادة الأكثرية". وقرر مجلس النواب العراقي منذ أيام ، تمديد عمل مفوضية الانتخابات الحالية لمدة عشرة أيام، ابتداء من يوم الأحد 29 تموز الماضي.وفي تصريح لفرج الحيدري أكد: أن "الإشكال الذي حصل بين المكونات كان بصدد توزيع الحصص داخل المجلس، وكذلك حدوث إشكالات حتى داخل الكتلة الواحدة، وكذلك حصل خلاف بشأن زيادة عدد الأعضاء المفوضين". وعن مدى تأثير المحاصصة على مهنية المجلس، قال: إن "الأعضاء تم اختيارهم وفق أسس مهنية، والأخذ بالاعتبار الكفاءة والمهنية، والمناقشات جرت لاختيارهم بين الكتل السياسية، ولا يمكن الحكم عليهم قبل بدء عملهم".وتتهم الكتل المتنفذة بعضها البعض في التسبب بتعطيل إقرار قانون انتخابات مجلس المحافظات وتشكيل مفوضية جديدة.إن التدخل بعمل الهيئات المستقلة يتخذ صوراً عدة، فتارةً يتخذ تدخلاً في تعيين موظفي هذه الهيئات أو يتخذ صورة التبعية المالية والفنية والسياسية وهو اخطر هذه التدخلات، حيث لا تتمكن الهيئات المستقلة من إثبات وترسيخ فلسفة وجودها، كأدوات راعية للمساواة، ومراقبة لتطبيق العدالة، وفاصلة بين الفرقاء والمتنافسين، ومُراقِبة لأداء أجهزة الدولة، لذلك ستعيقها المحاصصة من أداء واجباتها هذه. إن هناك محاولات محمومة من قبل الكيانات المتنفذة لإبطال دور الهيئات المستقلة –ومن ضمنها مفوضية الانتخابات المستقلة- وعرقلة عملها وإخضاع هذه الهيئات للضغوط التي دأبت تمارسها هذه الكيانات، منذ فترة طويلة، للاطمئنان لموقف هذه الهيئات، التي واجبها هو مراقبة السلطات الثلاث، وتأشير القرارات والقوانين التي تصدرها وتنفذها والتي لا تصب في صالح العملية السياسية وتضر بالنهج الديمقراطي الذي نص عليه الدستور.
المحاصصة وتأثيرها في الهيئات المستقلة
نشر في: 31 يوليو, 2012: 06:33 م