علي حسينسأصدق أن الأجهزة الأمنية، قد غرر بها، في موضوع اقتحام مبنى مكافحة الإرهاب، وسأسلم بأنها مثل أي مواطن مغلوب على امره قد سمعت بالعملية من الفضائيات، والأمر ذاته سأفعله مع النائب عباس البياتي، الذي غرد قائلا " ان منفذي عملية امس هدفهم عرقلة عملية البناء السياسي، وإعاقة النمو الديمقراطي في العراق. "
وسأمارس أقصى درجات حسن النية مع وزارة الداخلية التي تريد ان تقنع الجميع ان مثل هذه الحوادث تحصل كل يوم في العالم مستشهدة بما يجري في الصومال ومالي وافغانستان، وسأتجرع الرواية الكوميدية التي اعلنها جهاز مكافحة الإرهاب، والتي تقول "إن "عملية "الكرار" لتطهير مبنى مديرية مكافحة الارهاب التابعة لوزارة الداخلية انتهت بعد نحو 5 ساعات في عملية نوعية قام بها الجهاز" العملية أسفرت عن مقتل ثمانية من المسلحين وجميعهم من العراقيين وضبط خمسة أحزمة ناسفة. وان اي احد من منتسبي مكافحة الارهاب لم يقتل". ولكن كيف لي ان اصدق بيان وزارة الداخلية الذي بشرتنا به امس من والذي جاء فيه أن قواتها "احبطت هجوماً إرهابياً استهدف مبنى مديرية مكافحة الإرهاب حاول فيه ثلاثة إرهابيين – انتبهوا جيدا للرقم - دخول المديرية عبر تفجير عبوة ناسفة تلتها سيارة مفخخة في بوابة المديرية، إلا أن حراس المديرية احبطوا الهجوم وقتلوا إرهابيين اثنين ومنعوا الاقتراب من السجن الذي يحتجز فيه الإرهابيون". ماحدث امس الاول يستدعى إلى الذاكرة قصصا عديدة من الخروقات الامنية كانت فيها الاجهزة الامنية تخرج الينا بسيل من البيانات المتناقضة، الاول يقول ان عبوة ناسفة انفجرت وان القوات الامنية طوقت المنطقة، فيما الثاني يؤكد ان الوضع مسيطر عليه وان لا خرق أمنيا، وحين يصحوا اهالي بغداد في اليوم التالي يجدوا ان العاصمة تحولت الى معسكر ضبط لكل اهالي المدينة، فيما القائد العام للقوات المسلحة يكتشف بعد ست سنوات في الحكم ان الإرهابيين يتسللون الى العراق من الحدود السورية. طبعا معظم هذه التصريحات لا تخلو من بعض الفكاهة والسخرية التي تفوق كثيرا تصريحات النائبة عالية نصيف التي يفتقدها العراقيون بشدة في هذه الايام العصيبة حيث اتحفتنا ذات يوم بتصريح خطير قالت فيه إن " من يعتقد ان الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية غير قادرة على تسلم الملف الأمني فهو واهم ".غير أن هذا النوع من العبث بأرواح الناس يراد له في كل مرة ان يحول قضية الخروقات الامنية إلى مناسبة لممارسة أنواع من الدجل على اعتبار أن أحدا لن يتوقف ليعمل عقله في هذا التسابق المجنون على إضفاء جو من الإثارة والسخونة على الملف الأمني فيما اعتبرها البعض فرصة سانحة لتصفية حسابات مع الخصوم. وإذا كان العديد من الساسة مصنفين أساسا في قائمة محترفي الدجل فإن الأمر يدعو للرثاء حين تجري هذه الخزعبلات على ألسنة مسؤولين أمنيين رسميين وجدوها أيضا فرصة لإطلاق القفشات، ومن هؤلاء وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات حسين كمال الذي فجر مفاجأة من النوع الثقيل وهو يقول: ان مثل هذه الحوادث والخروقات الامنية تحصل في كل مكان وزمان وبكل دول العالم. قرأت التصريح وتذكرت الوكيل نفسه عندما ظهر قبل عامين ليبشر العراقيين بالنصر المؤزر قائلا: " ان وزارة الداخلية بلغت مرحلة متقدمة تمكنها من تسلم الملف الأمني بالكامل،مؤكدا ان اجهزة الاستخبارات لديها الجاهزية الكاملة لكشف مخططات الإرهابيين ". وتذكر ت السيد قاسم عطا حين كان يفرد ابتسامته أمام شاشات الفضائيات وهو يحطم الرقم القياسي بعدد الذين قتلوا والقي القبض عليهم من الإرهابيين تذكرت كل هذا وغيره كثيرا من التصريحات التي قال أصحابها اننا نعيش زمن الازدهار والاستقرار، وان العراق اليوم أكثر استقرارا من كل دول المنطقة واكتشفت ان مأساتنا الحقيقية أننا نتعامل مع كل شيء بعشوائية، نتحرك بلا أي إستراتيجية أو منطق وبلغت بنا قلة الحيلة أننا صرنا نخترع كل يوم عدوا جديدا كي نلهي به الناس عن العدو الحقيقي، وصارت معظم تصريحات قادتنا الأمنيين تثير المشاكل والأخطر غضب الناس. الدماء التي تسيل كل يوم في ساحات وشوارع الوطن في رقبة كل القادة الأمنيين وعلى رأسهم القائد العام للقوات المسلحة الذي انشغل بالنفخ في الأخطار التي تهدد تراب الوطن لو ان بشار الاسد غادر كرسي السلطة.
العمود الثامن: الشعب يسأل.. والداخلية تكذب
نشر في: 1 أغسطس, 2012: 11:25 م