وائل نعمةسائق تاكسي يسألني " هل انت بائع جرايد "؟ كنت أحمل مجموعة من الصحف اليومية من ضمنها "المدى " و اتجه إلى البيت بعد يوم عمل طويل.الزحامات عند التقاطعات وفي مداخل السيطرات الأمنية فتحت المجال للحديث بيني وبين السائق الشاب.يصغرني بسنوات قليلة ويبدي اهتماما مفرطا بسيارته الصفراء،الأرانب والدببة والقلوب الحمراء والمرايا الصغيرة والكبيرة تملأ بطن السيارة.
"صديقي باك محفظتي وقهرني "...كانت الأغنية تشغلنا بكلماتها العجيبة عن طابور السيارات،وبعد ان اخفض صوتها بطلب مني لان الجو أصبح رطبا داخل التاكسي بسبب تفاقم الازدحام بدخول شاحنات عملاقة على الخط السريع والتبريد لم يعد يستطيع المطاولة، ولم اعد استطيع تحمل صوت الأغنية المرتفع. قال لي بعد ان أدرك باني لا أبيع الصحف بل اكتب فيها " كيف تملأ الجريدة بالكلمات؟...هل تكتب زاوية هل تعلم؟ لم تخصص الصفحات الأخيرة في "المدى " بعد هذه الزاوية، ولكن يوجد كشك صغير من حديد في منطقة بغداد الجديدة يذكرني دوما بسؤال سائق الأجرة حول فقرة "هل تعلم؟". ذلك الكشك كنت قد كتبت حوله في وقت سابق، لكنه لا يزال يشغلني ولم أفهم حتى اليوم إلامَ يريد أن يصل صاحبه؟كنت قد ذكرت في تقريري الصحفي أن صاحب هذا الكشك يبيع أقراصا ليزرية دينية و يضع أوراقا بيضاء يلصقها على جدار محله المتجاوز على الرصيف مطبوعا فيها نصائح وفتاوى تبدأ بعبارة "هل تعلم "،وكلما مررت من جواره قرأت نصيحة جديدة تتحدث عن النار والعذاب والحرام والخطايا ويخصص جانبا مهما من هذه النصائح للمرأة مثل " هل تعلمين أختي المؤمنة ان الفتاة التي تكمل 9 سنوات قمرية (هلالية) عليها ان ترتدي الحجاب الكامل " وكالعادة لم يذكر من أين جلب هذه النصيحة، او تلك التي تقول " هل تعلمين أختي المؤمنة ان العمل في صالونات حلاقة النساء للسافرات حرام "، وكنت وددت لو أتحفنا صديقنا "الناصح " بمعلومة حول لماذا سوق بغداد الجديدة يشبه منطقة منكوبة حدث فيها زلزال قبل سويعات لان الأنقاض لم ترفع بعد ومياه المجاري طافحة وتعوم فيها الأكياس وجثث القطط والكلاب. تخيلت لو أن زاوية "هل تعلم " نستخدمها بشكل أوسع لنفهم الكثير من الخفايا والأحداث التي تدور في الكواليس، فلدينا الكثير من الأسئلة التي تحتاج الى أجوبه، فمثلا لو وضعت وزارة التجارة ورقة على الجدران الكونكريتية في شوارع العاصمة تقول " هل تعلم عزيزي المواطن ان سبب عدم وصول الحصة التموينية المجانية الى كل المناطق يعود الى...... وانسوها أفضل"، او وزارة الكهرباء تعطينا تفسيرا للمليارات التي صرفت ونحن لا نزال نعتمد على المولدة لتقول مثلا " هل تعلم عزيزي المستهلك ان الكهرباء لن تتحسن أبدا وعليك الاعتماد على مجهودك الذاتي وفلوسنا راحت بالشط".ولكن ماذا لو كانت الحكومة لا تعلم ايضا؟ سيكون الجواب عند الكشك الناصح!
من داخل العراق: الحكومة... وكشك النصيحة
نشر في: 3 أغسطس, 2012: 09:52 م