احمد المهناعراق ما بعد صدام بدأ علاقاته الخارجية قريبا مما انتهى اليه صدام. فالأخير تحول من صديق الى عدو الأسرة الدولية. أما العراق الجديد فقد وُلِد "منبوذا" ثم استقرت علاقاته الخارجية على وتيرة واحدة. ويمكن اختزال هذه العلاقات من الناحية النوعية بصداقتين، احداهما "اضطرارية" مع الولايات المتحدة، والثانية "اختيارية" مع ايران.
حتى عندما وصلت اللقمة الى "الحلق"، مع انعقاد القمة العربية في بغداد، فإن العراق لم يستطع هضمها، ثم لفَظَها عندما خالف رئيسُ القمة شبهَ الاجماع العربي والدولي في الموقف من سوريا التي هي قضية العالم اليوم. فرئيس القمة العربية، الذي هو "عراق المالكي"، انحاز الى النظام العربي الوحيد المعلقة عضويته في الجامعة العربية، وايضا الوحيد الذي أضحت سمعته شبيهة بسمعة نظام صدام.ولا يمكن تفسير هذه السياسة الا بكلمة واحدة هي ايران. فالنظام السوري يعد أقوى مصالح النظام الايراني الاستراتيجية في المنطقة. وقد كانا معا القائدين المظفرين للنصر المؤزر على السياسة الأميركية في العراق. سياسة النشر العنيف للديمقراطية التي اتبعها جورج دبليو بوش، وتعرضت للهزيمة في المعركة التي شنتها ضدها ايران وسوريا على أرض العراق.ان جمع العراق بين صداقة ايران واميركا مقبول لطهران، لأنه في اسوأ الأحوال ليس على حسابها، ولكن الجمع بين صداقة ايران ومعاداة سوريا مرفوض كليا في طهران، لأن فيه مساسا بصميم مصالحها الاسترتيجية. وبالنسبة الى العراق، كدولة، من المشكوك فيه أن تكون هذه السياسة مفيدة الا اذا اعتبرنا أن مصالحه الاستراتيجية تقع في ايران. إن الاقتصاد لدى الدول العاقلة هو معيار المصالح الاستراتيجية. وصادراتنا من النفط هي القطاع الحاسم في اقتصادنا. ووجهة هذه الصادرات ليست بالقطع الى ايران.ولكن كما مع ايران فان السياسة بالنسبة الى العراق هي المعيار وليس الاقتصاد. وقد لا يوجد مثالٌ مُعجزٌ على ذلك أكثر من تدهور العلاقة مع تركيا، مقابل تحسنها الملفت مع اقليم كردستان. ان الكرد هم الوجع الأكبر على قلب تركيا. ولكن ها هو وزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو يزور اربيل، وينسق معها في موضوع "الكرد وسوريا" خاصة، وسوريا عامة. وليس لدى بغداد ما تفعله سوى الاحتجاج على الزيارة!ومن بين جميع الدول المحيطة فان أكبر مصالح العراق الاستراتيجية يقع في تركيا، فهي منبع مياهه، وأحد أهم طرق صادراته النفطية. لماذا تسوء اذن العلاقات العراقية التركية؟ كيف أصبحت اربيل أعز من بغداد على أنقرة؟هل للتوتر الأخير بين بغداد وأربيل صلة باختلاف موقفيهما من النظام السوري؟ هل انقسمت السياسة في العراق بين اقليم "معتدل" ومركز "ممانع"؟ وهل يمكن اختزال جواب هذه الأسئلة بكلمة واحدة أيضا هي ايران؟ان السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية. فالتوتر الذي يشوب سياسة المالكي تجاه التحالف الكردستاني من جهة، وائتلاف العراقية من جهة أخرى، له ما يناظره على صعيد تركيا والعالم العربي. والأسئلة المؤرقة هي: كم تمثل هذه السياسة أطراف التحالف الشيعي عموما؟ الى أي مدى يعد العامل الطائفي حاسما فيها؟ هل سيمتد تأثير هذا العامل الى الكرد؟ ما هي مفاعيلها المستقبلية على العلاقة مع أميركا خصوصا والترك والعرب عموما؟ ماهي آفاق مضاعفاتها الداخلية؟ وأخيرا هل هذه السياسة ثابتة أم يمكن أن تكون متغيرة؟
أحاديث شفوية: تساؤلات في السياسة الخارجية
نشر في: 3 أغسطس, 2012: 10:06 م