 علي حسينليست ثمة فائدة ترتجى من متابعة أخبار السياسيين، والاستماع الى خطبهم التحريضية، لكن ظروف العمل تدفعني  مضطرا، لان اغرق نفسي مع ساسة متحذلقين جهلة، يعتقدون ان معركة العراق ليست مع التخلف والانتهازية وغياب الخدمات وسرقة مستقبل الناس، وانما في انشاء دائرة خاصة للعطل كما بشرنا بذلك النائب علي العلاق..
 خطب وشعارات يفتقد اصحابها مقاييس الفهم والإدراك والمعرفة،  فتراهم أشبه بمهرجين في سيرك بلا تنظيم، سياسيون يصارعون الزمن من اجل تفريغ هذا البلد من رأس ماله  الفكري والثقافي والابداعي.. لتجد الناس ان رموزها الفكرية  يراد لها ان تعيش خلف حلبة مصارعة مكتظة  بانتهازيين ووصوليين  بلا خلق ولامعرفة، هكذا يبدو المشهد اليوم. لقد انجبت هذه البلاد الجواهري والرصافي والسياب وجواد سليم وعلي الوردي وغائب طعمة فرمان وزينب ونزيهة الدليمي.. مصابيح للفكر.. حيث لم يكن احد منهم جزءا من لعبة السياسة، لكنهم صنعوا تاريخنا..  ومثلما لا يمكن  ان تتخيل فرنسا من دون سارتر وبودلير، واليونان من دون أفلاطون، وايطاليا من دون دانتي، وألمانيا من دون غوته، وتشيلي من دون نيرودا، واسبانيا من دون لوركا؟، فإننا لا يمكن أن نتخيل بغداد من دون عبد الوهاب البياتي الذي مرت امس ذكرى رحيله الثالثة عشرة بصمت، أسوة بالإهمال والنسيان المتعمد الذي أصاب  ذكرى رحيل قامات العراق الكبرى  الجواهري، علي الوردي، الأثري، ابو كاطع.نكران للجميل، والنسيان لشاعر كبير  نتمنى عليه الا يغضب ولا يحزن  لأننا اليوم نعيش عصر أمراء  الطوائف والمحاصصة البغيضة والبحث عن الغنائم، عصر  المحسوبية والانتهازية، والنواب الذين يتهالكون على الامتيازات اكثر من تهالكهم على حضور جلسات البرلمان، عصر توزع فيه ثروات البلد  بين سياسيين قلوبهم وعقولهم واموالهم تصب في خدمة دول الجوار. ايها الشاعر المكافح في سبيل عراق حر وديمقراطي، دعاة الديمقراطية اليوم تناسوك  لانهم مشغولون بمعارك المناصب والمنافع.. اما القائمون على وزارة الثقافة فهم مهمومون  بإقامة اسابيع ثقافية نجومها مدراء عامون وسكرتيرات ومدراء مكاتب يفهمون الثقافة على انها قصيدة شعبية في مديح اولي الامر، او مهرجان من التملق والتزلف للقيادة الحكيمة والمجربة، كما أنك أيها الشاعر المتمرد  لا تنتمي الى حزب من احزاب هذا الزمان، يجبر مؤسسات الدولة على الاحتفال  بك. ثم إن ذكرى رحيلك تحمل الرقم 13 وهذا رقم يتشاءم منه ساستنا بكل طوائفهم، فرقم الحظ عندهم هو الاوراق المالية التي يجيدون عدها وخزنها في مصارف سرية،وإذا كانت بعض شعوب العالم تحتفل بمفكريها وأدبائها الكبار فهذا لأنهم شعوب عاطفية اكثر من اللازم، ويملكون وقت فراغ لا يعرفون ماذا يفعلون به. فلا تصدق ايها الشاعر الذي مات منفيا من اجل وطنه، ان هناك من يهتم  بذكرى رحيلك، فالوطن اليوم مشغول بما هو اهم، فأنت لا تنتمي لشلة  السيد محافظ بغداد، ولا ترتبط بصلة قرابة  مع السيد كامل الزيدي.. وانت لم تكتب قصيدة مديح في الانجازات العملاقة التي حققها مجلس المحافظة في زمن قياسي.. وخطيئتك الكبرى انك لم تؤجل موتك لتلتحق بركب  ائتلاف دولة القانون، فتصبح زميلا للشاعر علي الشلاه في لجنة الثقافة والاعلام البرلمانية.   اليوم ايها الشاعر المنسي  مدينتك الحبيبة يريد لها البعض  ان تعيش زمن  القرون الوسطى.. وان تغرق في بحور من التخلف والقمامة والنسيان وسط ضجيج سياسيين ادخلوا كل غرباء الارض الى مخدعها.. عفوا ايها الشاعر هذا ليس زمانك، و بالتالى لا تحزن منا على هذا التجاهل، فنحن ما زلنا نعيش عصر حراس الحدود الذي وصفتهم ابلغ وصف: بغداد برحنا الهوى، لكن حراس الحدود  يقفون بالمرصاد حراس الحدود يا من أغنيها فتسألني لماذا لا أعود؟ لم تسأليني والليالي السود دونك والسدود اليوم ايها الشاعر المنسي نحن مثلك نعيش غرباء في مدينتنا التي احتلها اللصوص، ونتذكر معك ما كتبه ابو حيان التوحيدي عن غربته في بغداد قبل الف عام: " أغرب الغرباء من صار غريبا في وطنه ". سنعلم الاجيال ان في هذه المدينة عاش رجل كان جريئا وشجاعا سيكتب له ولذكراه البقاء والاستمرار.. في وقت تمر على بغداد هياكل سيكون  مصيرها الزوال حتما.من سيبقى من العراق وصايا المالكي وخطب الجعفري و تأتأة علاوي  أم كلمات الجواهري والوردي والرصافي؟، كلمات علمتنا قيمة وأهمية الحياة، قيمة الأرض وعظمة الإنسان.