اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الصراع وتحولاته في سوريا

الصراع وتحولاته في سوريا

نشر في: 4 أغسطس, 2012: 07:14 م

عن بعد، يمكن للصراع في سوريا أن يُشبَّه بمسارٍ بطيء وشاق ومؤلم، تعتريه تسارعات متقطعة ونقاط تحول ظاهرية، تحت تأثير النشاط الدولي.  لكن إذا نظر المرء بقدر أكبر من التدقيق فإنه سيتحقق من خطأ هذا الانطباع.  لم تتمخض المناورات السياسية عن أكثر من حالة من الكسل واللامبالاة التي ترتدي قناع الحركة.  استعمل الغرب هذه المناورات للتظاهر بأنه يفعل أكثر مما يفعله حقيقة؛ واستغلها الروس للتظاهر بأن دعمهم النظام السوري أقل مما هو عليه فعلاً.
 وفي هذه الأثناء، وفي سوريا، لا يرى المرء لا طرقا مسدودة ولا تحولات مفاجئة.  في الواقع فإن كل شيء يتغير لكن بإيقاع ثابت: شكل الصراع؛ وديناميكيات المجتمع المدني؛ والعلاقات الطائفية؛ وحتى طبيعة النظام الذي تسعى المعارضة لإطاحته. لا تسير كل الأمور في الاتجاه الخطأ؛ فقد كانت بعض التطورات تبعث على الأمل بشكل مفاجئ.  لكن هناك أكثر مما يكفي من النزعات المنذرة بالشؤم، وما من نزعات أكثر إثارة للقلق من النزعات التالية: نظامٌ يتحول على ما يبدو إلى ميليشيا هائلة القوة تنخرط في قتال يائس من أجل البقاء؛ وطائفة علوية  تشعر بحصار متزايد ومقتنعة بأن مصيرها مرتبط بشكل لا فكاك منه بمصير النظام؛ ومعارضة، مهددة بأشكال من التطرف، رغم الجهود البطولية في بعض الأحيان لاحتواء هذه الأشكال.  كل هذه العناصر معاً يمكن أن تكون نذيراً لحرب أهلية طويلة ومدمرة وحتى أكثر استقطاباً.من شبه المؤكد أن النظام لن يغير أساليبه، وبالتالي فإن العبء يقع على عاتق المعارضة لتقوم بفعل لا بد أن يبدو غير معقول – بالنظر إلى جسامة معاناتها – يتمثل في معالجة ظواهر العنف الانتقامي، وأعمال القتل الطائفية والأصولية التي تزحف في صفوفها؛ وإعادة النظر بالهدف الذي وضعته لنفسها والمتمثل في استئصال كامل للنظام، والتركيز بدلاً من ذلك على إعادة تأهيل المؤسسات القائمة؛ وإعادة تقييم العلاقات مع الطائفة العلوية بشكل معمق؛ والخروج بمقترحات متطلعة إلى المستقبل حول العدالة الانتقالية، والمساءلة والعفو.بدءاً بالأهم، أصبحت سورية بالفعل مسرحاً للتدخل الخارجي، إلا أن التدخل كان أكثر فعالية في إدامة القتال وليس في إنهائه.  المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، كوفي أنان، سعى للتوسط، إلا أن السوريين وغير السوريين على حدٍ سواء دعموه لأسباب متعارضة وبطريقة تخدم مصالحهم الخاصة.  ولأن نجاح المهمة كان يعتمد على إيجاد أرضية وسطية عندما كانت معظم الأطراف تتحرق رغبة لتوجيه ضربة قاضية، فإن قلة هم الذين رغبوا فعلاً بنجاح مهمته، لكن لا أحد يرغب في أن يظهر بمظهر الطرف الذي يدفنها.المواقف الدولية يمكن أن تتغير: حدوث مجزرة  هائلة على نحو ملفت، أو الأمر الأكثر ترجيحاً والمتمثل في استعمال النظام للأسلحة الكيميائية أو فقدان سيطرته عليها، وهو أمر يمكن أن يتسبب في عمل عسكري غربي؛ يمكن لتركيا أو الأردن اللتين ترعبهما معدلات تدفق اللاجئين، أن يقيما ملاذاً آمناً على الأراضي السورية؛ وفي حالة التدخل الغربي، يمكن لإيران أو حزب الله أن يردا نيابة عن النظام.  حتى الآن، تبقى مثل هذه السيناريوهات افتراضية بشكل كامل.  الحد الأدنى في هذه المرحلة هو أن الصراع سيستمر وسيخضع لتأثير أطراف خارجية لكن هذه الأطراف لن تحدد نهاية الصراع؛ فهذا الدور الذي لا يمكن أن يُحسد أحد عليه سيلعبه السوريون أنفسهم.ولهذا السبب فإن الديناميكيات الأكثر أهمية هي تلك التي تتجلى على الأرض.  من المغري أن يقول المرء إن أداء النظام تميز ببرودة الدم وعدم التمييز من البداية، إلا أن الحال ليس كذلك.  لقد مر الصراع بعدة مراحل: من التنازلات السياسية التي قدمها النظام، سواء التي منحها وهو متردد (التي أطلقت العنان لمطالب شعبية أكبر) أو تلك التي كانت مصحوبة بعمليات قمع وحشية (التي قوضت مصداقية تلك التنازلات)؛ وصولاً إلى ما يسمى بالحل الأمني (الذي، في سعيه لإجبار مجموعات كاملة من السكان على الاستسلام، أثار حيوية المعارضة ودفعها نحو المقاومة  المسلحة) ؛ وأخيراً، إلى ما يسمى بالحل العسكري (سياسة الأرض المحروقة والتدمير الشامل والنهب الذي حوّل ما كان يعتبر جيشاً وطنياً إلى قوة احتلال تواجه الاستياء والإدانة على نطاق واسع).مع كل مرحلة، كان النظام يحرق جسراً آخر، بشكل لا يترك له مجالاً للعودة إلى الوراء ولا يوفر له مخرجاً.  وكما أن الحل السياسي قوض مصداقية السياسيين والحل الأمني أضعف قدرة الأجهزة الأمنية على العمل، فإن الحل العسكري قوض مصداقية الجيش.لقد تطورت الديناميكيات الاجتماعية أيضاً إلى وضع تجلى فيه الجيد، والسيئ والبشع على حد سواء.  اثبت الجانب الجيد بأنه أفضل مما كان متوقعاً؛ حيث عبأ المجتمع المدني النشط والشجاع والمقاوم شبكات للمساعدة وأبقى تحت السيطرة بعض أسوأ أشكال العنف التي يمكن أن تلجأ إليها أي معارضة مسلحة تعمل في بيئة موبوءة.  أخفقت الأعمال الوحشية للنظام في قمع الاحتجاجات الشعبية، وفي واقع الحال جاء رد النظام بمثابة اللقاح لها.  لقد فوجئت المعارضة السورية نفسها أكثر من أي طرف آخر بإعادة اكتشافها لإحساس واسع بالتضامن، والكرامة والافتخار على الصعيدين المحلي والوطني.أما الجانب السيئ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram